شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!

"يجذبون السكان عبر وجهاء عشائر وسماسرة"... كيف ينشط الإيرانيون في دير الزور؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الاثنين 9 ديسمبر 201906:33 م

"قبل ما يقارب الشهرين قامت الميليشيا السورية التي شكلها الحرس الثوري الإيراني في دير الزور بتسوية وضع شخصين من أهالي المنطقة كانا ضمن صفوفها. وفي التفاصيل أن قوات الدفاع الوطني التابعة للنظام السوري اعتقلت الشخصين اللذين عملا في السابق ضمن صفوف الجيش الحر، وهذا ما دفع بالميليشيا المدعومة إيرانياً للتدخل وإعادتهما إلى عملهما"، هذه الحادثة يستحضرها الناشط أحمد محمد (اسم مستعار لضرورات أمنية) من ريف مدينة الميادين في محافظة دير الزور، للتدليل على أن "كل من يعمل مع الإيرانيين في المنطقة يحصل على حصانة منهم".

ويكمل أحمد حديثه لرصيف22 بالقول: "لا يمكن النظام والميليشيات التابعة له التعرض لمن يعمل مع الإيرانيين. هذا أمر يشبه بطاقات عدم التعرض التي كانت تمنحها أفرع أمن النظام السوري للمقربين منها".

بداية الوجود الإيراني

بدأت ملامح الوجود الإيراني مع انطلاق معارك طرد داعش عام 2017، إذ ظهر قائد "فيلق القدس" في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني في مقطع فيديو وهو يوجه باللغة الفارسية الأوامر للجنود المتمركزين بالقرب من مدينة الميادين.

يقول مؤسس ومدير "شبكة دير الزور 24" عمر أبو ليلى لرصيف22: "عملياً إيران والحرس الثوري مع الميليشيات الأخرى مثل فاطميون والنجباء وحزب الله اللبناني كانوا يديرون المعارك ضد داعش في ريف دير الزور الشرقي، وهذا ما نقله لنا المتعاونون الميدانيون وأيضاً أكدته التقارير التي نشرتها مؤسسات إعلامية عربية وعالمية، والواقع يؤكد ذلك. فاليوم الميادين والبوكمال وريفاهما تحت سيطرة الإيرانيين بشكل جلي".

يتابع أبو ليلى: "نجحت الميليشيات الإيرانية في بسط سيطرتها على المنطقة، حتى أن دور النظام السوري وميليشياته بات ثانوياً، وقد حصلت قبل الآن صدامات بين الميليشيات المدعومة إيرانياً والنظام السوري على خلفية قطع النظام للكهرباء عن بعض الأحياء التي ينتشر فيها الإيرانيون وميليشياتهم بكثافة".

وبحسب مدير الشبكة، فإن مناطق النفوذ تقسّم على الشكل التالي: المنطقة من البوكمال على الحدود السورية العراقية وصولاً للميادين تقع تحت السيطرة الإيرانية، ومن الميادين باتجاه دير الزور المدينة موزعة بين الإيرانيين والدفاع الوطني وروسيا".

"ليس من الصعب اكتشاف وجود الإيرانيين في دير الزور، فهم لا يتكلمون اللغة العربية بشكل جيد، وغالباً ما يرافقهم مترجمون أثناء تجوالهم في الأسواق وعلى الحواجز". 

في سياق متصل، يوضح محمد أنه ليس هناك وجود دائم للقيادات العسكرية الإيرانية على الحواجز، وأن دورها الرئيس يتمثل بمراقبة وتقييم العمل"، فيما يشير إلى أن "هناك غرف عمليات محصنة في أحياء الميادين والبوكمال تُدار منها تحركات الميليشيات التابعة لإيران. وهذه الأحياء، خاصة الشوارع التي توجد فيها المقار، مغلقة، ولا يسمح بدخول غير العسكريين إليها، وهي بين الأحياء المدنية".

ملامح الوجود الإيراني

"قامت إيران بإعادة ترميم مزار "عين علي" ذي القدسية بالنسبة إلى معتنقي المذهب الشيعي، وهناك حجاج يأتون من العراق وإيران لزيارة المزار المعاد ترميمه"، حسب الناشط من دير الزور.

يضيف أبو ليلى: "ليس من الصعب اكتشاف وجود الإيرانيين في دير الزور، فهم لا يتكلمون اللغة العربية بشكل جيد، وغالباً ما يرافقهم مترجمون أثناء تجوالهم في الأسواق وعلى الحواجز، هذا بالنسبة إلى العسكريين، أما المنظمات المدنية التي تنشط في مجال الإغاثة وتوزيع المعونات فهي موجودة باسمها وشعاراتها واضحة جداً".

ويوضح أبو ليلى أن الجمعيات التي تنشط بشكل أوسع في المنطقة هي "جهاد البناء" و"الرضوان" و"الحسين" التي توزع المعونات على المدنيين، وغالباً ما تُكتب عليها عبارة "هدية الشعب الإيراني لشعب دير الزور".

بدوره، يصف الرئيس السابق لمجلس محافظة دير الزور المحسوب على المعارضة السورية أنس الفتيح الوجود الإيراني في المنطقة بدولة ضمن دولة، قائلاً: "هدف إيران فعلياً هو تطبيق فكرة الدولة داخل الدولة، ولذلك شكلت ميليشيا قبل عام ونصف كلها من السوريين، حتى إذا حصل ضغط لإخراج إيران من المنطقة، فسوف تتحدث عن وجود أناس حقيقيين من أبناء المنطقة يعتنقون المذهب الشيعي".

هؤلاء، حسب الفتيح، يعبّرون عن أنفسهم سياسياً عبر شيء اسمه "الحرس الثوري السوري" الذي تربطه علاقات طيبة مع إيران، و"بالتالي لا يمكن استئصاله، وهو كنموذج شبيه بحزب الله في لبنان، أي أنه انتقل من حالة الحرب لحالة السياسة. وإذا اضطر الحرس الثوري للقيام ببعض التحركات العسكرية، فسيكون هدفها الضبط أكثر منها معارك عسكرية".

ويوضح الفتيح لرصيف22 أنه "من خلال قراءتنا تعامل الإيرانيين السابق في لبنان والواقع السوري والتغيرات الموجودة والضغوط الأمريكية عليهم، يتبدّى أن هدف تشكيل الحرس الثوري هو رغبة إيران في تشكيل مجموعة لديها القدرة على كسب قاعدة شعبية مثل حزب الله في لبنان".

في الإطار نفسه، يجد مدير "شبكة دير الزور24" أن الإيرانيين يتبعون سياسة أشبه بسياسة داعش في المنطقة، يقول: "السوريون في صفوف الإيرانيين يمثلون الصورة التي يتكلم بها الجميع في ما يتعلق بالضمانات والحفاظ عليها، فهي تمثل إغراءات للآخرين بالانتساب لها، ويقومون بذلك بأساليب عدة، منها التواصل المباشر عبر عقد لقاءات مع وجهاء العشائر ودفعهم لتحفيز شبابهم من أجل الانضمام إلى الميليشيا، أو عبر سماسرة يتواصلون مع أبناء المنطقة الذين يعيشون خارج سوريا".

"يقومون بذلك بأساليب عدة، منها التواصل المباشر عبر عقد لقاءات مع وجهاء العشائر ودفعهم لتحفيز شبابهم من أجل الانضمام إلى الميليشيا، أو عبر سماسرة"... كيف ينشط الإيرانيون في دير الزور ولماذا؟ 
"من يود الانتساب إلينا يستطيع زيارة مراكزنا المتوزعة في المدن الرئيسة ويقدم طلب انتساب، أما من شارك مع تنظيمات إرهابية فعليه الاعتراف بما فعله سابقاً"... كيف ينشط الإيرانيون في دير الزور ولماذا؟ 

واستطاع رصيف22 التواصل عبر وسيط مع أحد المسؤولين عن "الحرس الثوري في دير الزور" الذي قال إن "الهدف الرئيس من تشكيل الحرس الثوري في دير الزور هو منح أبناء المنطقة الفرصة ليحموا مدنهم وقراهم، بعد أن عاثت التنظيمات الإرهابية مثل النصرة وداعش خراباً في المنطقة"، مضيفاً "بكل الأحوال أن يكون لنا نحن أبناء المنطقة قوة عسكرية وسياسية تمثلنا، أفضل أيضاً من أن يأتي الأمريكيون ليحكمونا كباقي المناطق".

ويتابع المسؤول: "الشخص الذي يود الانتساب إلينا يستطيع زيارة مراكزنا المتوزعة في المدن الرئيسة، ويقدم طلب انتساب ليتم قبوله، أما الذين شاركوا قبل الآن مع التنظيمات الإرهابية، فيجب عليهم الاعتراف بكل ما فعلوه سابقاً، ويٌمنحون في ما بعد بطاقات عضوية، يكفي أن يبرزوها في أي حاجز أو مقر أمني حتى لا يجري اعتقالهم، والهدف من هذا هو منح الثقة للمتخوفين من العودة".

ويوضح عمر أبو ليلى: "بالإضافة إلى المغريات الأخرى من حصانة أمنية والعودة للعيش في مدنهم، تعطي هذه الميليشيا لمنتسبيها مبالغ تراوح بين 150 و 300 دولار شهرياً وذلك حسب المهمات التي يقوم بها المنتسبون".

محاولة تشكيل قاعدة شعبية

تُظهر التقارير التي تنشرها وسائل الإعلام المحلية في دير الزور وجود حراك على صعيد آخر، عدا الحراك العسكري. ونشر موقع "فرات بوست" قبل أشهر مقطعاً مصوراً قال إنه احتفالية للمركز الثقافي الإيراني في بلدة صبيخان في ريف دير الزور الشرقي، إضافة لتقديمه منحاً دراسية للشباب من أبناء المنطقة الراغبين في الدراسة بإيران.

ويشرح عمر أبو ليلى: "تخطب إيران وميليشياتها المنتشرة في المنطقة ود الأهالي، من خلال توزيع المساعدات والتأكيد أنها هدية من الشعب الإيراني لأهالي دير الزور. كذلك أنشأت مستشفى في مدينة الميادين يقدم الطبابة للمنتسبين إلى الميليشيات المدعومة إيرانياً، وخاصة الحرس الثوري في دير الزور، وهذا أيضاً يشكل عامل إغراء باعتبار أن المنطقة تفتقر لهذه الخدمات لأن المرافق الطبية دمرت أثناء المعارك مع تنظيم داعش".

ويقول محمد: "الإيرانيون حساسون لطبيعة المجتمع، فمثلاً هم لا يغصبون الناس على اعتناق المذهب الشيعي، لكن هناك دعاة يلتقون بالناس ويرغّبونهم في ذلك، إضافة لتمرير دعوات كهذه عبر لقاءات مسؤولين إيرانين مع وجهاء العشائر".

"تمسك إيران بمنطقة دير الزور يعود لموقعها الاستراتيجي، فمعبر البوكمال مع إيران هو عقد الوصل بين الأخيرة وبغداد مروراً بدمشق وصولاً لبيروت".

ويتابع: "يحاول المدنيون الذين أنهكتهم الحرب التعاطي مع الأمر الواقع، فليس لديهم القدرة على إخراج إيران حتى لو أرادوا ذلك، وفي المقابل لا يريدون الخروج من منازلهم والعيش في مخيمات اللجوء، أي أنهم مخيرون بين أمرين أحلاهما مر".

أهمية دير الزور بالنسبة إلى إيران

شهدت منطقة ريف دير الزور الشرقي تحركات عسكرية مكثفة وإعادة تمركز للميلشيات المدعومة إيرانياً، في ظل تمسك الولايات المتحدة الأمريكية بريف المحافظة الشمالي والشمال الشرقي، خاصة بعد أن أعلنت واشنطن أنها باقية في سوريا بهدف منع ظهور داعش من جديد أو سيطرة التنظيم وإيران والنظام السوري على منابع النفط في المنطقة.

ويجد الفتيح أن لإيران أهدافاً مستقبلية، فـ"الحرس الثوري في دير الزور ليس الهدف منه المعارك العسكرية، بل إيجاد حركة تأخذ صبغة سياسية باسم وطني، وترفع شعارات الممانعة، أما بخصوص معاداة دول الخليج، فأي تيار تابع لإيران يجب أن يعلن عداءه للسعودية ودول الخليج المتحالفة معها".

ويوضح مؤسس ومدير "شبكة دير الزور 24" أن "تمسك إيران بمنطقة دير الزور يعود لموقعها الاستراتيجي، فمعبر البوكمال مع إيران هو عقد الوصل بين الأخيرة وبغداد مروراً بدمشق وصولاً لبيروت، وهو الممر الرئيس الذي تقوم إيران عبره بإرسال الدعم اللوجستي إلى سوريا ويؤمن طريقاً برياً لإيصال الدعم لحزب الله في لبنان، مذكراً بالقول: "شهدنا قبل الآن قصفاً إسرائيلياً لمواقع إيرانية في بادية البوكمال، وهذا يدل على أن المعبر يقوم بدور الرافد لأتباع إيران في سوريا ولبنان".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard