شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!

"لسن ملائكة"... عن غيرة أمهات من بناتهن

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الاثنين 9 ديسمبر 201905:56 م

"لقد دمرتنا أمي، أنا وأختيَّ، نفسياً واجتماعياً، لأن أبي كان يبدي فخره برشاقتنا وتفوقنا الدراسي، ما كان يستثير غيرتها وغيظها"، هذا ما أخبرتني به ماريا عندما سألتها عن علاقتها بوالدتها، وتتابع: "لذلك كانت تستفز أبي، ولا تتوقف عن الشكوى ضدنا والتظلم والكذب إلا عندما يقطع طعامه، بعد يوم عمل شاق، ويذهب إلى غرفتنا ويضربنا أنا وأختيّ دون ذنب أو استفسار، فقط ليرتاح من صوت أمي وزنّها".

وتضيف: "وهي، كانت تهيننا وتضربنا وتسخر من أشكالنا، وما إن ترانا أخذنا كتب المدرسة حتى تنهال علينا بطلباتها كيلا تعطينا فرصة لندرس. تأخرت حتى اكتشفت أن والدتي كانت تغار منا، لأننا أصغر سناً منها وأكثر رشاقة ونتابع تعليمنا. لقد تفوقنا دراسياً وأنهينا دراسات جامعية عالية وحصلت كل واحدة منا على عمل جيد، لكننا نفشل دائماً في العلاقات الاجتماعية والعاطفية ولا أعتقد أن أي واحدة منا متوازنة نفسياً".

دائماً توضع الأم في إطار أقرب إلى الخيال منه إلى الواقع، بوصفها الملاك، الحنونة، المضحية، التي تسهر الليالي وتعطي بلا مقابل... إلى آخره من هذه العبارات التي حمّلت الأم أكثر من طاقتها ككائن ربما يكون ضعيفاً أو جاهلاً، قد تحمل عقد نقص، قلة حيلة أو قلة ثقة بالنفس، وبالمقابل قد تكون جيدة متوازنة بسلبياتها وبإيجابياتها. صفات شخصية بحتة تتمتع بها كل أم، من المستحيل أن تتشابه الأمهات ويحملن صفات واحدة. ولأن علاقتنا مع أمهاتنا وعائلاتنا هي جزء من صورتنا الاجتماعية، لذلك يحرص البعض منا على إظهار الإيجابيات فقط في هذه العلاقات، ولا يتم الاعتراف علناً بإشكاليتها وما قد تمر به من عقبات وخلافات، حفاظاً على تلك الصورة. من الصعب مثلاً التطرق إلى مواضيع تتعلق بغيرة بعض الأمهات من بناتهن علناً أو غيرة الأب من أولاده، لأنها تكسر الصورة المثالية التي رسمها الشعر والدين والمجتمع للوالدين.

تقول بعض الدراسات النفسية، إن الغيرة الأمومية أمر طبيعي إذا كانت ضمن حدود معينة وتحت السيطرة، لكنها تخرج عن إطارها المقبول عندما تشعر الأم أن ابنتها تشكل تهديداً لها. وربما تزداد احتمالية الغيرة وتصبح أمراً مرضياً عندما تبدأ علامات الشيخوخة بالظهور على الأم، أو في فترة انقطاع الطمث وما يصاحبها من تغيرات فيزيولوجية، بينما تكون الابنة في أوج شبابها. أسباب أخرى قد تجلب غيرة الأم، كالإنجازات التي تحققها الفتاة في حين عجزت الأم عن تحقيق رغباتها أو ممتلكاتها المادية، تعليمها وعلاقتها مع والدها، أو لأنها أصبحت أجمل من أمها وبدأت تلفت أنظار الرجال إليها.

اختلاف طبيعة الحياة بين الوقت الذي عاشت فيه الوالدة والانفتاح الذي تعاصره الابنة، من ازدياد في الحريات الفردية ودخول المرأة إلى مجالات عمل جديدة، كما ارتفاع سن الزواج وامكانية التأخر في الإنجاب، الاكتفاء الذاتي، اختيار الشريك، وازدياد ثقة المرأة بنفسها ولو بنسب متفاوتة، كلها أسباب قد تُخرِج العلاقة بين الأم وابنتها من سياقها الصحي.

دائماً توضع الأم في إطار أقرب إلى الخيال منه إلى الواقع، بوصفها الملاك، الحنونة، المضحية، التي تسهر الليالي وتعطي بلا مقابل... إلى آخره من هذه العبارات التي حمّلت الأم أكثر من طاقتها ككائن

الأم غير الناضجة عاطفياً والنرجسية، تكون احتمالات انسياقها وراء الغيرة من بناتها أكثر من غيرها، خاصة إذا كانت علاقتها مع والدهم غير متوازنة وليس فيها مستوى مقبول من الأمان والاحتواء والثقة

سلمى، اسم مستعار لفنانة رغبت بمشاركة تجربتها مع الغيرة الأمومية، فأخبرتني: "ما إن بدأنا نذهب إلى الجامعة، أنا وأختي، حتى صارت أمي انفعالية أكثر مما كانت في السابق، وازدادت الإهانات اللفظية والعنف الجسدي، لأنها لم تكمل دراستها الجامعية بسبب الفقر، والغريب أنها كانت تشجع أخويّ الذكور على الدراسة وتفضّلهما علينا، وعندما تزوجت أنا وشقيقتي، صارت تطلب من زوجينا مساعدتها في حمل الأشياء الثقيلة وكل ما لا تستطيع القيام به، بينما يجلس أخواي الذكور في غرفتهما أو يشاهدان التلفاز، وهي تعرف تماماً ما قد ينتج عن طلباتها من شجار في المنزل بيننا وبين زوجينا، أو من تعليقات جارحة".

الأم غير الناضجة عاطفياً والنرجسية، تكون احتمالات انسياقها وراء الغيرة من بناتها أكثر من غيرها، خاصة إذا كانت علاقتها مع والدهم غير متوازنة وليس فيها مستوى مقبول من الأمان والاحتواء والثقة، قد تظن أنهن قد أزحن اهتمامه وحبه عنها. فالأم المتوازنة غالباً ما تكون فخورة بأبنائها، سعيدة بنجاحهم وإنجازاتهم وتكون داعمة لهم، ضمن حدود لا تلغي وجودها وكيانها ورغباتها مقابل عدم حرمان أولادها من حقوقهم عليها.

ما هي صفات الأم النرجسية والتي تغار من أولادها حسب ما شرحها الموقع الألماني narzissmus؟

هي الأم التي تأكل الجزء الأشهى من الطبق بحجة أن الأولاد لا يكملون أطباقهم، وتستقبل الضيوف في وقت الامتحانات، وفي وقت قيلولة أبنائها مثلاً. عنيدة وغيورة، تتجاوز حدودها وتشعر أن أولادها امتداد لها ولا تحق لهم أية خصوصية، تفتش غرفهم ورسائلهم، تهينهم وتنتقدهم وتتلاعب بمشاعرهم، مخربة وحساسة للنقد، تحب أن تأخذ دور الطفلة بينما تفرض على الأولاد أن يأخذوا دور الكبار، قد تختار ولداً من أبنائها وتعطيه امتيازات عن البقية لإزعاجهم، بحجة أنه المطيع، فتخلق الخلافات بين الأبناء وتتسبب في أذية الجميع عبر تحريضهم ضد بعضهم وتمزيق علاقاتهم.

تسخر من محاولة ابنتها الاستقلال عنها وتمنع عنها حبها وعطفها، وتحاول منعها من إزالة الشعر عن جسدها مثلاً، واستخدام المكياج وارتداء ملابس معينة، حتى لا تظهر أنوثتها وتغطي على أمها. قالت سلمى إنها نالت من الإهانات بداية ثم من السخرية الكثير، عندما أزالت شعر يديها وقدميها وكانت في السابعة عشر، وتضيف: "أدرك تماماً أنها عندما كبرت كانت تنظر إلى زوجي بعين الغيرة لأنه كان يحسن معاملتي، في حين كانت علاقتها مع والدي سيئة جداً".

قد تُحرج الوالدة الغيورة ابنتها أمام الأقارب، أو أمام رجل تعرف أن ابنتها تستلطفه، وتقلل من قيمة نجاحاتها، وتستهين بقدراتها وتذكرها بنواقصها، تضع العقبات أمامها وتتدخل في أحلامها وتحسسها بالذنب لأنها لا تتمكن من إرضاء أمها.

ماريا، التي افتتحت المقال بقصتها مع أمها، قالت إنها لم تستطع، حتى الآن وبعد كل هذه السنوات، التخلص من فكرة التقصير بحق أمها، ورغم أنها تعرف تماماً أن ما تقوم به ليس إلا ردود أفعال غير مباشرة على ما كانت تقوم به أمها في الماضي، ومحاولة استرضائها وشراء ابتسامتها وقبولها، فإنها لا توقف عن حرمان نفسها من بعض الأشياء مقابل إرسال الهدايا لوالدتها، وبعض المال من وقت لآخر، رغم حاجتها إليه، وأضافت أنها كانت متأكدة أنها قبيحة ومن المستحيل أن تجد من يحبها ويرضى بها، لكثرة ما أهانتها أمها في طفولتها ومراهقتها، وهذا كان السبب وراء تعلقها بأي شخص يبدي الإعجاب بها، ودائماً كانت تلتقي بالشخص الخطأ، ومع ذلك تتفانى للحفاظ عليه، فقط لتثبت لأمها أنها وجدت من يرغب بها.

ماذا تشعر الفتيات حيال النرجسية والغيرة الأمومية؟

قد لا يكون واضحاً السبب وراء توتر العلاقة بين الأم وابنتها، وفي الغالب لن تدرك الفتاة أن أمها تغار منها (في حال وجود الغيرة)، لأن الأمر مستبعد بسبب الكليشهات التي وضعت الأم داخلها، فتلوم نفسها وتشعر أنها لا تستحق الحب والاهتمام وقد تتوقف عن السعي، لأن إنجازاتها تلقى الغضب والسخرية. وقد تعاني من قلة الثقة بالنفس والاكتئاب والقلق. ولن تدرك أن والدتها تتصرف بدافع الغيرة إلى أن تكبر وتصبح أكثر حكمة، وقد تدرك أن سبب ابتعاد والدها عنها كان لاختصار المشاكل وتخفيف التوتر، وغالباً ما ستتوجه هذه الفتاة إلى رجل نرجسي يشبه والدتها، فتبقى بذلك ضمن تجاربها السابقة المألوفة.

إن الشفاء من الجراح التي يتركها النرجسيون في الروح قد تكون معقدة وطويلة، نصحت دراسة نشرها موقع cbtpsychology بمحاولة استبعاد الأحاسيس السلبية التي قد يتسببون بها، كالإحساس بالذنب لتسببهم بالغيرة، أو لأنهم خيبوا الظن، أو حتى لأنهم كانوا على خطأ، وأن يخفضوا سقف توقعاتهم من الوالد الغيور أو النرجسي، ومحاولة رسم حدود للعلاقة معه ومنعه من تخطيها (إن أمكن الأمر)، وعدم أخذ آرائه بعين الاعتبار حين يكون الأمر متعلقاً بتقدير الذات، وطبعاً اللجوء إلى الدعم النفسي إن تطلب الأمر. ومن الجيد أن نتذكر دائماً أنه حتى لو تم إنكار وجود الغيرة الأمومية أو القول بأنها نادرة الوجود، إلا أنها موجودة بكثرة وآثارها واضحة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard