شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!

"ضعف وكبت وسفالة"... تنمر ذكوري جماعي بالمصريات على السوشيال ميديا

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الجمعة 29 نوفمبر 201906:37 م

يترقب العالم كله تحركات الشعب اللبناني ومطالبه، وفي خضم هذا، كان الآلاف من المدوّنين المصريين الذكور مشغولين بشأن آخر، فخرج علينا "تريند" التغزل باللبنانيات والتمني بقدومهن لاجئات، وبالطبع السخرية من مظهر المصريات، والمقارنة الشكلية بينهنّ.

لم يكن حدث الثورة اللبنانية هو الحدث الوحيد الذي انتهزه بعض الذكور للحطّ من شأن المصريات، ومقارنتهن بغيرهن، وإنما في كل مناسبة عالمية تتفجر طاقة التنمر والسخرية من مظهر الفتيات المصريات، وحتى بدون مناسبة، فقد تصاعد الخطاب المعادي للنساء، ليصل لمستوى جديد تمثَّل في السخرية من لون المنطقة الجنسية للإناث، الأمر الذي يعدُّ نوعاً جديدا من الـ"BODY SHAMING"، أو إلحاق الشعور بالعار والنقص، بسبب خصائص لها علاقة بلون البشرة والمنطقة الجغرافية والأصول الإفريقية التي تنتمي الأغلبية من المصريين والمصريات إليها.

ورغم حالة الغضب التي تظهر جلية في رد الفعل الأنثوي على تلك السخرية، لكن تظل التساؤلات حول الأسباب النفسية التي تقف وراء انتشار تلك التريندات مرة وراء الأخرى، ومدى التأثير النفسي الذي يتركه في نفوس الإناث.

"تنمّر جماعي واضح"

يعلّق الطبيب النفسي دكتور محمد شفيق، أخصائي الأمراض العصبية والنفسية، حول تلك التريندات، وما إذا كان دقيقاً وصفها بالتنمر: "في البداية لابد من تعريف التنمّر، فهو شكل من أشكال الإيذاء النفسي والإساءة التي يعتمدها طرف، سواء كان فرداً أو جماعة، تجاه طرف آخر يمكن أن يكون فرداً أيضاً أو جماعة، ويعتمد تكنيك التنمّر على أن يكون موجهاً لمن هو أضعف جسمانياً أو اجتماعياً، ويحدث بشكل متكرر على فترات زمنية، ويأخذ التنمر نمطاً متخيلاً أو حقيقياً بسبب وجود فرق متخيل أو حقيقي بين الطرفين، وبالتالي فإنه استناداً إلى الفروق في الهيمنة والسيادة بين الذكور والإناث في المجتمع المصري، فيمكن وصف التريندات التي تظهر بين حين وآخر، وتتخذ من شكل ومظهر المصريات مادة للسخرية، والتي تحدث على مدار فترة زمنية ممتدة، أنها حالة من التنمّر الجماعي".

ويتابع دكتور محمد شفيق لرصيف22: " بالطبع من ضمن العوامل الرئيسية التي تجعل من التنمر الجماعي ظاهرة اجتماعية تنتشر بسهولة، هو عدم وجود رادع قانوني أو ثقافة مجتمعية تعالج التنمر، بل بالعكس يتم السخرية من الحديث عنها، أو التخفيف من آثارها أو الاستهزاء بالأثر النفسي والضرر الواقع على الأطراف الضحية، وكذلك، وبتعبير أكثر دقة وخصوصية بالنسبة للقضية التي نتناولها، فإن الهيمنة الذكورية على المجتمع المصري تلعب دوراً كبيراً في انتشار أشكال التنمر والسخرية".

 "الهيمنة الذكورية على المجتمع المصري تلعب دوراً كبيراً في انتشار أشكال التنمر والسخرية".

ويوضح أخصائي الأمراض العصبية والنفسية، قائلاً: "يأتي دور الهيمنة الذكورية، حيث أن الذكر الذي يعتبره المجتمع في مكانة أعلى اجتماعياً وطبقياً، يعتقد أنه يحق له أن يطالب النساء، أياً كانت مكانتهن ودورهن في المجتمع، بإرضائه، سواء في احتياجاته المادية أو المعنوية، أو إرضائه بالوصول لشكل ومظهر معين من الجمال، يرضيه هو وتصوراته حول الجمال".

ويرى شفيق أن تأثير التنمر على المتنمر نفسه ليس جيداً ولا صحياً، ففي الأساس هو شخص مهزوز، وضعيف، ولديه غضب شديد، "يظهر ذلك في عدوانيته وممارسة العنف المعنوي أو البدني على الطرف الأضعف، إلّا أن التعبير عن تلك الأمراض بالتنمر يزيدها، لأنه مع الوقت يكون محتاجاً للتعبير عنها بشكل أكثر عنفاً وعدوانية، لإرضاء شعور الانتصار والرضا المؤقت".

"استناداً إلى الفروق في الهيمنة والسيادة بين الذكور والإناث في المجتمع المصري، يمكن وصف التريندات التي تتخذ من شكل ومظهر المصريات مادة للسخرية، حالة من التنمر الجماعي"
"في فترة ما كنت مستسلمة لتلك المقاييس ولجأت لتفتيح المناطق الحساسة من خلال مستحضر تجميل جديد، يُسمَّى (مقشر أحماض الفواكه) تسبب لي بحروق والتهابات لازلت أعالجها، ولم تختف حتى الآن، رغم مرور ستة شهور من العلاج"

أما عن وصف تلك الحالة من السخرية التي انتشرت مؤخراً على السوشيال ميديا، فيقول دكتور محمد شفيق: "الحقيقة، لا يمكن وصف تلك النكات أو التريندات بخفة الدم ولكن يمكن إطلاق مصطلح (فقدان الأمل التعلمي)، وهو يرجع لتجربة علمية تم إجراؤها على الفئران ولكن لها تطبيقات كبيرة على البشر، وهي عندما تكون ضاغط على مجموعة من البشر، فأنهم يفقدون الأمل في أي وسيلة للخروج والمقاومة، ولا يتبقى أمامهم سوى الاستسلام للأمر الواقع، والبعض يصيبه التبلد واللامبالاة التامة".

"وجدت الثقب الأسود"

محمد إسماعيل (اسم مستعار) 29 عاماً، مسؤول عن السوشيال ميديا في موقع إعلامي إلكتروني، يسكن القاهرة وينحدر من أصول ريفية، جمعته علاقة بفتاة منذ أشهر، وهي علاقته الثانية بصديقة، فوجئ بأن منطقة المهبل شديدة السواد، لكنه لم يعر لذلك اهتماماً، حتى بدأ يدخل على غروبات على "فيس بوك"، ووجد التندر، والسخرية، والهجوم على ذلك اللون الأسود.

يتذكر نكتة أثّرت فيه كثيراً، أحدهم كتب: "لو عايز تشوف الثقب الأسود، أنا عندي الأسود منه"، وأحدهم مُعلَّق على حبل المشنقة وسط أصدقاء سبقوه لممارسة الجنس، مُعلَّقين هم أيضاً، ويصرخ: "طلع أسود طلع أسود".

بدأ إسماعيل، بحسب حكايته لرصيف22، يشعر بتغير حيال جسد صديقته ونفور، واقتنع أنه دليل إهمال أو عدم نظافة أو كبت جنسي مزمن، دون أن يبحث عن دليل علمي يقنعه، وساهم ذلك من بين عوامل أخرى في إنهاء علاقته معها بشكل مفاجئ، ونفوره من المصريات، وهو يحاول الآن أن يصاحب أجنبيات يعملن في مجال قريب من تخصصه.

"حروق والتهابات لم تخف"

تروي نائلة عبد الحميد (24 عاماً) خريجة كلية تربية رياضية،  تسكن في القاهرة، عن تأثير "تغريدات" و"بوستات" السوشيال ميديا عليها كامرأة: "تلك الحملات أو ما نطلق عليها تريندات، ليست كوميدية أو مضحكة أبداً، بل إني أراها نوعاً من أنواع ممارسة العنف النفسي والضغط على النساء، كنت أنا إحدى ضحاياها، ففي فترة ما كنت مستسلمة لتلك المقاييس ولجأت لتفتيح المناطق الحساسة من خلال مستحضر تجميل جديد كان قد ظهر، يسمى (مقشر أحماض الفواكه) تسبب لي بحروق والتهابات لازلت أعالجها، ولم تختف حتى الآن، رغم مرور ستة شهور من العلاج".

"لست أمانع الحميات الغذائية، ولكني أرفض أن يحدث هذا بسبب الابتزاز من الشريك".

وتضيف نائلة في حديث لرصيف22: "وفي مجالي، بما أنني أعمل مدربة لياقة بدنية بشكل جزئي، فإنني أقابل فتيات يعرضن أنفسهن لأمراض عدة بسبب محاولاتهن المستديمة في إنقاص الوزن أو زيادته، حتى تحقيق خرافة الجسم المثالي"، متابعة: "بالطبع لست أمانع الحميات الغذائية أو ممارسة الرياضة، ولكني أرفض أن يحدث هذا بسبب الابتزاز من الشريك أو الطرف الآخر، وإلحاحه في أن تغير من طبيعتها ومظهرها، لإرضائه".

تعلق المهندسة آية منير، ناشطة نسوية ومؤسسة مبادرة سوبر وومان: "المقارنة بين المصريات والأجنبيات من حيث المظهر، أو ظهور تريندات بين الحين والآخر تصف المصريات بالقبيحات، هو سلوك ذكوري معتاد لا يمكن وصفه سوى بالتنمر، وتلك الظاهرة أو التريند تنتشر ليس من خلال الرجال الذكوريين فقط، وإنما من خلال الإناث حتى غير الذكوريات بشكل واضح، والتي تجعلهن ينسقن وراء هذا السلوك، على أساس أنها كوميدية أو صحيحة، برغم أنها في قلبها إهانة واضحة جداً لهن".

وتضيف منير لرصيف 22: "للأسف، بغض النظر عن النساء الذكوريات أنفسهن، إلا أن تلك التريندات تعمل على تعويد النساء على قبول الإهانة المغلفة بالضحك والكوميديا، وردود الفعل المضادة، مثل السخرية من الضعف الجنسي للرجال أو وسامتهم، هي أيضاً مسيئة ومهينة، ولا يمكن وصف تلك الظواهر بأنها كوميدية أو على الجانب الآخر، أنها حالة من اللامبالاة أو البلاهة، وإنما هي سفالة حقيقية، فالسخرية من قضايا مثل اللجوء أو الهرب من الوطن في حالة الثورة اللبنانية، ليس سوى سفالة ذكورية معتادة".

"السخرية من المهبل معاداة للنساء"

أما تعليقاً على التريند الذي يسخر من لون المنطقة الحساسة للنساء، فتعلق مؤسسة مبادرة "سوبر وومان"، قائلة: "السخرية من لون منطقة المهبل عند المصريات موجودة بشكل سري بين الرجال، ولكنها انتقلت الآن للعلن، وبجرأة في الطرح لم تكن موجودة من قبل، لذلك يمكن القول بأنه تم الصعيد فعلاً في الخطاب المعادي للنساء".

وتشدد منير على أهمية التوعية، تقول: "التوعية ضرورية ومهمة لتعليم من لا يعلم أو لا يستوعب، مدى الضرر الواقع على الطرف الآخر، لكن ذكوريي الفكر لن تُحدث التوعية معهم فرقاً، بل أن النقاش معهم ليس سوى مضيعة للوقت والمجهود".

تتابع منير: "الميديا والحملات الدعائية من الأسباب الرئيسية التي وضعت مقاييس للجمال، وهو ما انعكس على الأفراد بشكل جماعي، ورغم أنها تغيرت عبر التاريخ، لكنها تظل أحد الأمور الهامة المتحكمة في النظرة الجمعية للجمال"، مضيفة: "السبب الثاني والذي لا يقل أهمية، استقاء الثقافة الجنسية من خلال الأفلام الجنسية واعتبارها واقعاً، فتجعل الشباب يتوقعون نفس المقاييس الجسمانية للأنثى، دون معرفة أن تلك الأفلام تخضع للمونتاج والمكياج، وغيرها من العوامل المزيفة للحقيقة".

وتنصح منير لعلاج حالات التنمر تلك قائلة: "نحتاج لورش عمل تثقيفية تجمع الجنسين، للحديث عن الخرافات حول الزواج والجنس، فحتى الآن لازال أغلب المقبلين على الزواج يستقون معلوماتهم، إما من الأفلام الإباحية كما أشرت، أو من القصص التي يتناقلها الشباب بين بعضهم البعض، والتي تتمحور حول مدى فحولة الراوي ومدى شعور الطرف الآخر بالألم، للاستدلال على مدى قوته".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard