شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!

"مش قادرة أرتاح"... يوميّات زوجات المعتقلين السياسيين في مصر

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الجمعة 8 نوفمبر 201904:22 م
Read in English:

The Untold Story of Egypt’s Political Prisoners Spouses

يدرك كثيرون أنَّ السجناء السياسيين يعانون في السجون المصرية، لكن ما لا يعلمه كثيرون أيضاً أن زوجات هؤلاء المساجين يعيشون حياة قاسية، ربّما تشبه حياة السجن، لكن خارج أسواره، حياة مليئة بتساؤلات وتعليقات جارحة وتصورات خاطئة، كما أنها غيرت في الكثيرات منهن.

الزوجات اللواتي تواصلن معهنَّ فضَّلن عدم كشف هويتهنّ لتجنب مصيرا محتملاً، مثلما وقع للصحفية والحقوقية، آية علاء حسني، التي اعتقلتها السلطات المصرية في حزيران/يونيو الماضي.

وتواجه آية، وهي أم لطفلتين، تُهمة "التواصل مع قنوات إخبارية"، وذلك على خلفية الحديث عن قضية زوجها الصحفي، حسن القباني، أثناء اعتقاله في سجن العقرب ما بين عامي 2015 و2017.

ويُشار إلى أنَّ السلطات المصرية اعتقلت مُجدَّداً الصحافي حسن القباني، الأربعاء 18 سبتمبر/أيلول، أثناء حضوره جلسة تجديد التدابير الاحترازية، وفق ما أعلنته التنسيقية المصرية للحقوق والحريات، بعد 3 أشهر من اعتقال زوجته.

قدَّرت منظَّمة "هيومان رايتس ووتش"، عدد السجناء في سجون مصر في العام 2016، بأكثر من 60 ألف شخص، وذلك منذ أن أطاح الرئيس عبدالفتاح السيسي بسلفه محمد مرسي في العام 2013.

"مسؤولة عن كل حاجة"

"الحياة تغيرت تماماً".. بهذه الكلمات تجسِّد ولاء الشرقاوي (33 عاماً) اسم مستعار، زوجة أحد المعتقلين السياسيين في مصر، تأثير سجن زوجها على حياتها اليومية، وذلك منذ أن ألقت قوات الأمن القبض على زوجها من حوالي عام ونصف.

أضحت الشرقاوي مسؤولة عن كلّ شيء منذ سجن زوجها احتياطياً، على ذمة اتهامه بالانضمام إلى جماعة إرهابية ونشر أخبار كاذبة وإساءة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، وهي التهم التي درج النظام المصري على اتهام معارضيه بها، في واحدة من القضايا التي تضم عدداً من النشطاء السياسيين.

تقول الشرقاوي لرصيف22 بنظرة المرأة الزوجة: "بقيت مسؤولة عن كل حاجة، مسؤولة عن إيجار بيت، وإيجار مكتب، ومصاريف طفل".

منذ بضعة أشهر، انتهى عقد إيجار الشقة التي كانت تسكن فيها الشرقاوي مع زوجها وطفلهما، لذا كانت مُضطرة للبحث عن شقة أخرى للسكن.

تشرح الشرقاوي أكثر المشاعر التي آذتها بسبب غياب زوجها: "بدأت أدور على شقة لوحدي، وكنت بتعامل مع سماسرة لوحدي، ودي أول حاجه حسستني إن أنا لوحدي، وقد إيه الناس بتشوف الست لوحدها حاجة زفت قوي، دي الحقيقة".

"بعد اعتقال زوجي، انتهى عقد إيجار الشقة، بدأت أدور على شقة لوحدي، وكنت بتعامل مع سماسرة، ودي أول حاجه حسّستني إنّ أنا لوحدي، وقدّ إيه النّاس بتشوف الست لوحدها، حاجة زفت قوي"
 كانت طفلتهما تبلغ من العمر أكثر من سنة تقريباً حينما تم القبض على والدها، والآن صار عمرها 3 سنوات، وأصبحت "تدرك أن باباها مش موجود"، حيث ترى أبناء أعمامها "معاهم بابا وماما"، فبدأت تسأل "هو فين بابا؟.. هيرجع إمتى؟"

واجهت الشرقاوي العديد من "الأسئلة السخيفة" أبرزها بالطبع: "جوزك فين؟ طيب هو مسافر فين؟ طب هو بيشتغل ولَّا بيدرس؟".

تأمل الشرقاوي أن يتمّ الإفراج عن زوجها قريباً لتستعيد حياتها كما كانت في السابق: "حد مش بيشيل مسؤولية حاجه، اللي هوا أنا عايزه كذا وكذا وهو بيجيبو".

"وحيدة أتحمّل نظرة المجتمع"

كانت شروق عزت (32 عاماً) اسم مستعار تعيش مع زوجها في القاهرة، قبل أن تلقي قوات الأمن القبض على والد ابنتها الصغيرة منذ سنة، بدعوى الانضمام إلى جماعة محظورة، ومنذ ذلك الحين تتولَّى مسؤولية "كلّ شيء".

تقول عزت لرصيف22، إنَّ شكل حياتها اختلف تماماً بعد القبض على زوجها، وأضحت تقوم بكلّ شيء بنفسها، لأنَّ أهلها وأسرة زوجها من إحدى محافظات الدلتا، و"مش موجودين في القاهرة"، حتى وإن استعانت ببعض أصدقاء زوجها في بعض الأمور، فهم لا يكونون متاحين دائماً.

نجحت عزت في العيش بمفردها في القاهرة لعدَّة أشهر، تقول :"أنا كنت باشتغل في القاهرة، فكان صعب إنّي أروح أقعد مع أهلي"، لكن المشاكل التي كانت تواجهها بسبب نظرة المجتمع لها، لأنها تعيش بمفردها، دفعت أسرتها لقضاء بعض الوقت معها، وفي الإجازات تسافر لتكون معهم.

المشاكل التي واجهتها عزت بعد اعتقال زوجها سببها نظرة المجتمع لها، لأنها تعيش بمفردها.

اضطرت عزت لترك العمل، والانتقال إلى منزل أسرتها مؤخراً، وتأتي كل أسبوعين في موعد زيارة زوجها المحبوس احتياطياً في سجن طرة.

تقول عزت: "بشوف البيت، وادفع الإيجار والكهرباء، وأروح الزيارة وبعدين أرجع تاني".

لدى عزت طفلة يزيد عمرها عن العامين "كانت بتروح حضانة"، لكنها توقف عن إرسالها إلى الحضانة (nursery) لتوفير المال، وأصبحت الجدة هي المسؤولة عن رعايتها، في الوقت الذي تتولي الأم متابعة تطورات قضية زوجها.

النفقات المادية كانت واحدة من أبرز الأزمات التي واجهتها عزت، التي يبلغ إجمالي دخلها الشهري حوالي 2000 جنيه مصري (120 دولار) ومطلوب منها دفع إيجار شقة قدره 3 آلاف جنيه (180 دولار)، بالإضافة إلى "بند الحضانة - تخلصت منه لاحقاً - واللبن والبامبرز وباقي مصاريف البنت والبيت"، وغيرها من النفقات المفاجئة.

تشير عزت إلى أنها تعيش على مساعدات من "أهله شوية، ومن أهلي شوية"، بالإضافة إلى بعض المساعدات التي يقدمها من وقت لآخر، أصدقاء زوجها.

تكلف الزيارة الواحدة التي تقوم بها عزت لزوجها حوالي ألف جنيه (60 دولار)، وتوضح السبب في ذلك قائلة: "أنت مش بتجيب أكل لفرد واحد أنت بتجيب لحوالي 11 فرد، عشان في اليوم التاني الشخص التاني يجيب، والشخص التالت يجيب وهكذا"، كما أنَّ "عملة" التعامل داخل السجن السجائر، لذا تشتري بـ"القاروصة" لأن "أنت لو روحت قولت مش جايب حاجة بتدفع ألف جنيه".

سخافات الجيران وسكان الحي

انتقلت أسماء عبد الراضي، اسم مستعار،  (30 عاماً) للعيش في منطقة فيصل بالجيزة بدلاً من منطقة المعادي الراقية في القاهرة، لتوفر نفقاتها الشهرية بعد إلقاء القبض على زوجها في العام 2018، بدعوى نشر أخبار كاذبة، تهدد استقرار وسلامة الدولة المصرية، ومشاركة جماعة إرهابية في تحقيق أغراضها، وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي.

تتعرَّض عبد الراضي لما تصفه بـ"سخافات" كثيرة جداً في محيط سكنها الجديد، وتقول إنَّها تشعر "حتى لو مش بالكلام" أنَّ الناس حولها في الشارع ينظرون إليها، ويتهامسون "إيه ده هي قاعده لوحدها ليه؟.. فين جوزها؟" وذلك حتى لو كان "بابا وماما معايا في الشارع".

الناس حولها في الشارع ينظرون إليها، ويتهامسون "إيه ده هي قاعده لوحدها ليه؟.

روت عبد الراضي لرصيف22 آخر موقف تعرَّضت له منذ أسابيع، حينما كانت مضطرة لتركيب "ستارة" بسبب دخول فصل الشتاء، حيث استقدمت نجاراً إلى البيت لكي يقوم بتركيب الستارة، ولم يكن معها في البيت سوى ابنتها الصغيرة التي تبلغ من العمر حوالي 3 سنوات.

تقول عبد الراضي: "نفس الأسئلة تتردد على ألسنة الناس عندما استقدمت النجار لتركيب الستارة، ولم يكن لدي إجابات، فأنت مضطر تعمل، وتسمع نفس الكلام لأن مافيش غيرك يعمل الحاجات دي".

"مش عارفة أرتاح"

أكثر التغيرات قسوة التي تعرضت لها عبد الراضي، بحسب ما تقول: "إنه أنت مش عارف ترتاح، أنت مش عارف تحط راسك على المخدة وتنام من غير ما تبقى ماعندكش همّ ،بكرة أنت هتعمل إيه، أنت بتعمل كل حاجة".

قبل القبض على زوجها لم تكن عبد الراضي تتكلّم مع زوجها إطلاقاً في الأمور المالية التي تخص شؤون البيت، تقول: "قبل القبض عليه أنا عمري ما كنت أقوله أنت معاك إيه واللي باقي قد إيه، ولا فلوس الشهر باقي منها قد إيه، ماكانش في دماغي ولا هو كان بيشركني فيه".

ترى عبد الراضي أنها قبل القبض على زوجها كانت تفكر في "تفاهات وحاجات هبلة أوي"، في حين كان زوجها يتحمّل، أموراً وهموماً لم تكن تراها ولا تشعر بها.

"بابا فين؟"

كانت ابنة عبد الراضي الصغيرة تبلغ من العمر أكثر من سنة تقريباً حينما تمّ القبض على والدها، والآن صار عمرها 3 سنوات، وأصبحت "تدرك أن باباها مش موجود" حيث ترى أبناء أعمامها "معاهم بابا وماما"، فبدأت تسأل "هو فين بابا؟.. هيرجع إمتى؟"، وليس لدى الأم رد، فأصبحت الطفلة تتعصب كثيراً، "وتعيط وما فيش حاجه بتهديها".

لا تصطحب عبد الراضي ابنتها معها لزيارة والدها في السجن كثيراً لأنَّ زيارة السجن مرهقة جسدياً ونفسياً، حيث تقف من الساعة الثامنة صباحاً حتى الواحدة ظهراً أمام باب السجن ليُسمح لها بالدخول، ثمَّ بعد ذلك تنتظر في الداخل حوالي ساعتين حتى تلتقي زوجها. كما أنَّها وزوجها اتفقا على عدم اصطحابها للسجن لأنهما لا يريدان أن "تشوف ده، ويتحط في الذاكرة عندها".

طلاق نورهان ودومة

في 7 نوفمبر/ كانون الثاني 2018، أعلنت الصحافية المصرية نورهان حفظي، انفصالها عن الناشط السياسي أحمد دومة، المعتقل منذ ديسمبر/كانون الأول 2013 على خلفية القضية المعروفة إعلامياً بـ"أحداث مجلس الوزراء".

وكان دومة قد تزوَّج من نورهان في مارس/آذار 2013، وأُقيم حفل الزفاف في دار المدرَّعات التابع للقوات المسلحة المصرية، وحضره العديد من الرموز السياسية والنشطاء.

وكتبت حفظي عبر صفحتها على فيسبوك: "أنا آسفة لو بعلن خبر ممكن يسبب للبعض خذلاناً أو حزناً أو إحباطاً في خضم هزيمة أكبر كلنا عايشينها، أعلم أن قصتنا كانت تشكل أملاً في أذهان الكثير".

"عزاؤنا أننا متشبثون بعلاقة إنسانية"

وأضافت حفظي: "أنا وأحمد انفصلنا من شهور، مررنا خلالها بلحظات قاسية ومؤلمة ومربكة لا تتوقف، يمكن أن يكون هذا الإعلان وإتمام الإجراءات الرسمية العالقة بين النيابة ومصلحة السجون خطوة لإنهائها".

وتابعت: "التجربة بكل ما فيها من تفاصيل أصعب من توقعاتنا، يمكن عزاؤنا الوحيد أننا متشبثون ببعض بعلاقة استثنائية، فيها أبعاد أكبر من الانفصال، وسيظل بها أحمد دومة عائلتي".

ونشرت الصحافية نورهان حفظي رسالة بخط يد أحمد دومة، قال فيها: "ننفصل اليوم بكل الحب والاحترام وبكل الأمل، لعل القادم يحمل حرية تعيد الروح".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard