شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!

"عندما طار شعري خارج وطني"... وراء كل تمرد على الحجاب أكثر من قصة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الثلاثاء 12 نوفمبر 201912:42 م

"عندما طار شعري في الشام، راودتني سعادة لم أشعر بها سابقاً، كنت أحس بالهواء وهو يداعب كل شعرة في رأسي. للمرة الأولى كنت أشعر أن هواء الشام مختلف"، تقول ابتسام (صيدلانية) التي زارت دمشق بعدما خلعت حجابها في تركيا. ولأن والدها فرض الحجاب عليها وهي صغيرة جداً، لم تكن قد عاشت هذا الشعور سابقاً في الشام.

ابتسام خرجت تماماً من عباءة والدها بعد وصولها إلى تركيا واستقرارها هناك، حتى أنها عندما زارت دمشق لم ترغب في التواصل معه.

تقول: "بالنسبة إلى والدي، فإن الدين مختصر بالحجاب فقط، وقد فرضه علينا أنا وأخواتي في سن صغيرة جداً، في حين سمح لأخوتي أن يعيشوا حياتهم بحرية مطلقة ويفعلوا ما يحلو لهم من دون رقيب أو حسيب".

تغيير الاقتناعات

تعيد فاطمة (مهندسة) سبب خلعها للحجاب بعد فترة من قدومها إلى تركيا إلى أنها لم تعد مقتنعة به، خاصة بعدما قرأت عدة فتاوى تنفي كونه فريضة، وتقول: "لماذا عليّ تحمل أعباء الحجاب الذي فرض على المرأة لتجنب فتنة الرجل، في حين أن الأخير يعيش حياته كما يشاء ويشتهي؟ كما أن صعوبة عثوري على عمل بسبب حجابي، زادت من رغبتي في خلعه، كونه يعرقل حياتي في عدة جوانب".

تضحك كثيراً وهي تصف اليوم الذي كانت جالسة فيه بجانب البحر مع صديقاتها، وكيف أنها شعرت بالغيرة منهن عندما رأت الهواء يلاعب شعرهن، ففكت حجابها ورمته في البحر.

وتوضح نور (خريجة علم اجتماع) أن الإنسان ابن بيئته وأنه من الطبيعي أن تتغير أفكاره ومعتقداته بحسب البيئة والمحيطين به.

"الغربة تدفع الفرد إلى إعادة غربلة أفكاره ومعتقداته، ليكتشف أنه أُجبر على تبني الكثير منها إرضاءً للمجتمع وليس اقتناعاً منه"، بهذه المقدمة تحكي نور قصة خلعها للحجاب بعد وصولها إلى تركيا، قائلة: "استغرق أخذي للقرار سنة من التفكير، كنت أشعر في كل يوم أن الحجاب يخنقني ويقيدني، إلى أن استيقظت في أحد الأيام، وأنا أشعر بأني أخف وأكثر سعادة وحرية، في تلك اللحظة تأكدت أنني لن أذهب إلى العمل وأنا محجبة، وهذا ما حدث بالفعل".

وعند سؤال زينة (تعمل في محل ألبسة) عن كيفية خلع حجابها، تضحك كثيراً وهي تصف اليوم الذي كانت جالسة فيه بجانب البحر مع صديقاتها، وكيف أنها شعرت بالغيرة منهن عندما رأت الهواء يلاعب شعرهن، ففكت حجابها ورمته في البحر، وتابعت - حسب وصفها - "مشوارها" بحرية.

تؤكد زينة هي الأخرى أنها لم تكن مقتنعة يوماً بالحجاب، وأنه فرض عليها من قبل عائلة طليقها ثم بقيت محافظة عليه خوفاً من المجتمع الذي يترصد حركات المطلقات وتصرفاتهن.

وتضيف: "أنا اليوم حرة ولن أسمح بأن يقيدني أحد لا المجتمع ولا الحجاب"، لافتة إلى أنها جعلت ابنتها ولاء (14 عاماً) تخلعه أيضاً، فـ"عن أي قناعة يتحدثون عندما يجبرون الأطفال على الحجاب، أي قناعة تكونها طفلة في مثل هذا العمر؟".

وبحسب زينة، فإنها لن تضيف إلى الأعباء التي حملتها ابنتها  -كونها سورية ولاجئة - عبء الحجاب، فـ"هي طفلة ويجب أن أساعدها كي تندمج مع مجتمعها الجديد، ولا يحق لأحد مطالبتها بأن تكون مختلفة عن أقرانها وأصدقائها الجدد وكأنها تتحداهم، ولماذا يجب أن تحافظ الطفلة على حجابها إذا كانت هي نفسها لم تفهم بعد لماذا وضعته؟".

نظرة المجتمع السوري إليهن

برغم اختلاف تجاربهن، تشترك هؤلاء السيدات في الحكم ذاته على شريحة واسعة من المجتمع السوري، باعتبارها "لا تهتم إلا بالمظاهر".

وتوضح ابتسام: "بعدما خلعت الحجاب، صار أصدقائي السوريون ينظرون إليّ على أنني امرأة رخيصة وسهلة المنال، حتى أنني صرت أتحاشى التواصل معهم".

وتفصل ابتسام بين مظاهر الإيمان والأخلاق الحميدة، فتصرفات والدها جعلتها حسب قولها تبتعد عن الدين والمتدينين، وهي تعتبر نفسها اليوم أقرب إلى الإلحاد.

"عندما طار شعري في الشام، راودتني سعادة لم أشعر بها سابقاً، كنت أحس بالهواء وهو يداعب كل شعرة في رأسي. للمرة الأولى كنت أشعر أن هواء الشام مختلف"، تقول ابتسام التي زارت دمشق بعدما خلعت حجابها في تركيا
"بعدما خلعت الحجاب، صار أصدقائي السوريون ينظرون إليّ على أنني امرأة رخيصة وسهلة المنال، حتى أنني صرت أتحاشى التواصل معهم"... سوريات خلعن الحجاب في مجتمع جديد يحكين قصصهن مع واقع مختلف وقيود قديمة 

في سياق متصل، تتجنب فاطمة إخبار أصدقائها الجدد بأنها كانت محجبة، كذلك تتحاشى مجتمعها القديم الذي صار يطلق عليها أحكاماً توحي بأنها خرجت عن نطاق الأدب والأخلاق بعدما خلعت حجابها. تقول: "لم يتغيّر بي شيء سوى أنني صرت حقيقية أكثر".

وتتابع: "من الأشياء التي تستفزني هي تقييم نزاهة المرأة من خلال حجابها ولباسها، برغم أن الأمر خاص جداً ولا يحق لأحد التدخل به، فالعبادة إرضاء لله وليس للعبد".

وتتساءل زينة: "ما الفائدة من العبادة إذا كان الهدف إسكات المجتمع وليس إرضاء الله؟"، معتبرةً أن العديد من السوريات المقيمات في تركيا يتمنين خلع الحجاب ولكنهن ما زلن مقيدات، فـ"أغلب اللواتي ما زلن محجبات هن مقيمات مع عائلاتهن أو أزواجهن، ولذلك لم يتجرأن على خلعه".

وتضيف: "ذلك لا يعني بالتأكيد أن جميع المحجبات مجبرات أو غير مقتنعات بحجابهن، فلا شك أن هنالك كثيرات يتمسكن بحجابهن ويدافعن عنه".

الصور ومواقع التواصل

تمتلك زينة على موقع فيسبوك حسابين، أحدهما مخصص كما تقول للاطمئنان على العائلة والآخر للتعبير عن الحياة.

ولأنها لا تريد أن تتسبب بـ"وجع رأس" لعائلتها في سوريا، فإنها لا تنشر على حسابها المخصص للعائلة صورها بعد خلعها للحجاب، في حين أنها تعبر عن نفسها من دون أي قيود على حسابها الجديد الذي أنشأته بعد وصولها إلى تركيا.

من جهتها، لا تريد فاطمة أن يربط الآخرون بين وفاة والدها وخلعها للحجاب، ولذلك لم تخبر عائلتها بعد أنها خلعته، وهذا ما يجعلها تتجنب نشر صورها الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي.

أما ابتسام فلا تنشر صورها لأنها تشعر بأن أغلب السوريين المقيمين في تركيا يريدون التسلي بقصة أي فتاة، لذلك تتحاشى الظهور قدر الإمكان، مبينة أنها تستخدم حساباً خاصاً بأصدقائها الأتراك على تطبيق إنستاغرام.

تتفق السيدات الثلاث على أنهن أصبحن أكثر ارتياحاً وتصالحاً مع أنفسهن، وعلى أن لا مشكلة لديهن مع السيدات المحجبات فالعديد من أقاربهن محجبات، كما يتشاركن الشعور بالحزن كلما التقين فتيات صغيرات محجبات، لأنهن يعلمن أن هؤلاء مجبرات على تحمل عبء أكبر منهن بكثير.

مجتمع جديد وأفكار جديدة

برأي الباحثة الاجتماعية ناديا الصفدي، من الطبيعي أن تتولد لدى الإنسان أفكار ورؤى جديدة مع انتقاله إلى بيئة أخرى ومجتمع مختلف.

"في حالة النساء السوريات في تركيا أو أوروبا، فإن الروابط الاجتماعية التي كانت تقيد حريتهن اختفت، لأن ملاحظات المحيطين بهن باتت بلا ثقل عندهن".

وتشير الصفدي إلى أنه في حالة النساء السوريات المقيمات في تركيا أو في أوروبا، فإن الروابط الاجتماعية التي كانت تقيد حريتهن اختفت، لأن ملاحظات المحيطين بهن باتت بلا ثقل عندهن.

وتقول: "بات من الطبيعي جداً أن يُعدن النظر بالأفكار والمعتقدات التي تربين وكبرن وأيضاً أجبرن عليها، ومنها الحجاب، وخاصة إذا ما كانت الأفكار القديمة غير مرحب بها كثيراً في المجتمع الجديد، وهذا ما يدفع المرء إلى محاولة معرفة سبب هذا الرفض، والبحث عن الأسباب التي تدفع الآخر إلى عدم تقبله، وهذا ما يكوّن لديه وجهات نظرات جديدة قد تكون مخالفة لتلك التي تربى عليها".

وتلفت الباحثة الاجتماعية إلى أن تغيير بعض المعتقدات لا يعني نسفها جميعها، بمعنى أن تغير وجهة نظر بعض الفتيات في الحجاب لا يعني تغيير وجهة نظرهن ببقية المعتقدات التي تلقينها سابقاً، مشبّهة ذلك بكيفية تطور آراء الإنسان مع تقدمه في العمر بسبب اكتسابه خبرات وتجارب مختلفة عن تلك التي اكتسبها في مرحلة شبابه.

وتضيف الصفدي: "رفض المجتمع القديم للأفكار المستجدة التي اكتسبها الإنسان في محيطه الجديد يدفع هذا الإنسان إلى اعتزال المجتمع الرافض له أو إلى مواجهته، وفي حالة النساء السوريات فإن الاعتزال هو المرجح نظراً لصعوبة مواجهة المجتمع وتحديه من جهة، ولأنهن مشغولات ببناء حياة جديدة ومجتمع جديد في البلد الذي لجأن إليه من جهة ثانية".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard