شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!

"تبلور وعياً وتستهدف السياسيين"… النكات "ثورة" في حياة اليمنيين

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الجمعة 18 أكتوبر 201905:52 م

تلعب النكتة دورا هاما في حياة اليمنيين، وصاحبت مختلف التحولات السياسية في البلاد، وتُعتبر أحد أوجه الانتقاد للوضع الراهن.

"يمني ربح مليون في مسابقة، سألته المذيعة: ماذا ستفعل بالمليون؟

قال: أسدد ديوني

ردت المذيعة: طيب والباقي؟

قال: الباقي يصبروا عليّا".

هذه النكتة تعكس واقع اليمنيين من الفقر وحالة الديون التي أثقلت كاهل الكثيرين، فشرائح واسعة من المجتمع اليمني صرفت مدخراتها واستدانت المال من أجل توفير الاحتياجات الرئيسية.

يبرع في خلق النكتة أبناء محافظة ذمار بيومياتهم، وسط اليمن، بشكل كبير، فحيناً يتجهون إلى دفن الريال اليمني في جنازة كبيرة، بعد تدهوره وارتفاع الأسعار، وأحياناً يحتفلون بحصول شخص على أسطوانة غاز، وكأنها حفلة عرسه.

وكما تحكي نكتة أخرى عن انقطاع التيار الكهربائي في اليمن على لسان واحد من أبناء محافظة ذمار غير الساحلية اتصل بوزير الكهرباء:

"الذماري: ألو..

وزير الكهرباء: من معي؟

الذماري: معاك الحاج حمود مدير عام ميناء ذمار.

وزير الكهرباء: بدون هبالة، كيف مدير ميناء ذمار وليس في ذمار بحر؟

الذماري: عادي إيش فيها، فها انت ذا وزير كهرباء وما في كهرباء".

وإذا ما حدث موقف محرج لمسؤول يمني، أو صدر قرار جديد يمسّ حياة المواطنين ومعيشتهم، نلحظ سيلاً من النكت الساخرة والناقدة.

"سألوا مجنون: كيف الوضع في اليمن؟ قال: مثل صلاة الجمعة في السجن المركزي، الخطيب قاتل والمؤذن قاطع طريق، والمصلون سارقون".

تعبّر هذه النكتة اللاذعة عن الوضع السياسي في البلاد، ويتداولها السكان بشكل كبير، بالإضافة إلى الآلاف من العبارات والمقالات والطرائف المضحكة والساخرة.

وفي النكتة والسخرية تستخدم الأشعار، الأغاني، المسلسلات الكوميدية والكاريكاتير بشكل طريف ويبعث على الضحك، لكنه يخفي وراءه أحزان اليمنيين وآلامهم.

النكتة في الشعر والمزيكا

"شكراً، دخلت بلا إثارة

وبلا طفورة، أو غرارة

لما أغرت خنقت في

رجليك ضوضاء الإغارة

لم تسلب الطين السكون

ولم ترع نوم الحجارة

كالطيف، جئت بلا خطى

وبلا صدى، وبلا إشارة

أرأيت، هذا البيت قزماً

لا يكلفك المهارة؟

فأتيته ترجو الغنائم،

وهو أعرى عن مغارة

***

ماذا وجدت سوى الفراغ

وهرّة تشتم فارة؟!

ولهاث صعلوك الحروف

يصوغ من دمه العبارة

يطفي التوقد باللظى

ينسى المرارة، بالمرارة

لم يبق في كوب الأسى

شيئاً حساه إلى القرارة

ماذا؟ أتلقى عند صعلوك

البيوت، غنى الإمارة

يا لص، عفواً إن رجعت

بدون ربح، أو خسارة

لم تلق إلّا خيبةً

ونسيت صندوق السيجارة

شكراً، أتنوى أن تشرفنا

بتكـرار الزيارة".

في هذه القصيدة الشعرية المضحكة، يروي الشاعر اليمني الكبير عبد الله البردوني، قصته مع اللص الذي اقتحم منزله، ويعبر الشاعر عن حالة الأديب والكاتب وفقره، بطريقة طريفة أضحك به من جهة جمهوره، وكشف بها عن حالته من جهة أخرى.

"سألوا مجنون: كيف الوضع في اليمن؟ قال: مثل صلاة الجمعة في السجن المركزي، الخطيب قاتل، والمؤذن قاطع طريق، والمصلون سارقون"
"النكتة لها دور كبير في صناعة الوعي الجماعي للناس حول قضاياهم المشتركة، وجمعت ووحّدت الناس البسطاء بالنخبة في المجتمع والمتعلمين، وجعلتهم جميعاً ينخرطون في صناعة النكتة أو التفاعل معها ونقلها للآخرين"

ولا يقتصر الأمر على الشعر، ولكن يمتد إلى فنون أخرى مثل المسلسلات، كمسلسل "همي همك"، و"كيني ميني"، و"غربة البن"، و"الدلال" و"هفة"، والعديد من المسلسلات اليمنية الأخرى، التي غلب عليها الطابع الكوميدي الساخر، بالإضافة إلى برنامج "عاكس خط" و"غاغة" و"يا فصيح لمن تصيح"، وبرامج أخرى اتخذت طابعاً كوميدياً، لجذب المشاهدين والمتابعين من جهة، وللتعبير عن واقع اليمنيين وحياتهم.

"تخلق التفاعل وتحفز القضايا"

"للنكتة دور في تحفيز القضايا الاجتماعية وخلق التفاعل معها من قِبَل الجمهور، وبالتالي خلق رأي عام مقاوم لقضايا الفساد الاجتماعي والسياسي وغيرها"، كما يقول الكاتب اليمني منصور الجرادي، مؤلف كتاب "النكتة في الثورة اليمنية"، في تصريحات لرصيف22.

يقول الجرادي: "النكتة سلاح الشعب أمام فساد الحاكم وبطانته الفاسدة التي تزين له كل شيء جميل، في حين أنها تسعى في الأرض فساداً وتهلك الحرث والنسل"، على حد تعبيره.

وشدّد الجرادي في حديثه على أنَّ الفساد المستشري في البلاد يدفع المواطن العادي إلى النكتة للتعبير عن رأيه، ورفضه لهذا الفساد بطريقة "صامتة".

وأضاف أن حديث "القوى المستضعفة" بلسان النكتة اللاذعة والساخرة، هي قوة لا يمكن أن يقف أمامها شيء أو يمنع حدوثها أحد.

ووصف الجرادي النكتة بأنها "سلاح السخرية الشاملة"، يسهم في الحد من تفشي الفساد، وتوسعه بين الرعية أو الحاكمين وبطانتهم.

"النكتة بسلاح السخرية الشاملة، تسهم في الحد من تفشي الفساد وتوسعه بين الرعية أو الحاكمين وبطانتهم".

وقد اتجه الجرادي في عام 2011 إلى جمع نكات تعبر عن الشباب التوّاقين للتغيير نحو الأفضل، وجمع النكات المتداولة وغير المرصودة في الشارع اليمني بين أوساط الناس البسطاء في الأماكن العامة والخاصة.

وقبل إصدار كتابه، كان منصور قد أنشأ مجموعة على "فيس بوك"، خاصة بالنكتة اليمنية، أطلق عليها "النكتة السياسية".

وقبل انطلاق ثورة الشباب في 2011 غيّر اسمها إلى "خفة دم اليمنيين في الثورة"، ورصد فيها النكات التي يتداولها الشارع اليمني.

وعن الدور الاجتماعي للنكتة، يقول الجرادي أن لها دور كبير في صناعة الوعي الجماعي للناس حول قضاياهم المشتركة، وأنها جمعت، ووحّدت الناس البسطاء بالنخبة في المجتمع، وجعلتهم جميعاً ينخرطون في صناعة النكتة أو التفاعل معها ونقلها للآخرين.

"السياسيون هدف النكتة"

"في الحروب التي تفرض تفكيراً وسلوكيات تتسم بالجدية أكثر منها في أوقات السلم، نجد الناس يلوذون بالنكتة، والنكتة السياسية على وجه التحديد"، يقول الشاعر اليمني محمد الجرادي.

ويرى الجرادي النكتة "تعبيراً حاسماً مفاده السخرية الناجمة عن كل هذه الأوجاع والخيبات".

ولفت الجرادي في تصريحات لرصيف22 إلى أن "السياسة والسياسيين والأحزاب والجماعات والحركات صارت هدفاً للنكتة اللاذعة، والتي بلا شك تحمل في مضمونها الكثير من المعاني التي تستحق التوقف".

وعن تأثيرها على صناع السياسات، يقول الجرادي: "صعّدت النكتة من تعرية السياسيين والفعل السياسي، وراكمت منسوب عدم الوثوق بأي فعل سياسي أو حزبي".

ويخالف الجرادي في الرأي الباحث في الشؤون الاجتماعية منصور الدبعي، حيث يرى أن النكتة عبارة عن "تفريغ عن النفس يلجأ إليه الناس للتخفيف من معاناتهم المعيشية".

وبرزت النكتة خلال الفترة الأخيرة كتعبير عن الحالة المعيشية الصعبة التي يعيشها الناس من الحرب،  يضيف الدبعي لرصيف22، وتستهدف النكتة في اليمن الأطياف التقليدية القبلية التي تتسبب في إحداث المشاكل، أو في عدم القدرة على مواجهة المشاكل والتصرف معها.

ويختتم الجرادي حديثه بأن "النكتة في اليمن صنعت ثورة موازية سلاحها السخرية فقط، وهي ثورة لا يمكن هزيمتها بالسلاح ولا بالحبس أو العنف".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard