شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
متى ستتوقف وسائل إعلام عربية عن تمرير مضامين تحتقر المرأة؟

متى ستتوقف وسائل إعلام عربية عن تمرير مضامين تحتقر المرأة؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الاثنين 7 أكتوبر 201905:26 م

كنت أؤمن دائماً أن الإعلام، سواء المرئي، المسموع، أو المقروء، هو النافذة الأكثر تأثيراً على المجتمع، والأقدر على رفع مستوى الوعي العام وتغيير تصورات الناس للأفضل أو العكس.

وكنت أدرك أن هناك شروطاً موضوعية مطروحة على الإعلاميين أنفسهم قبل غيرهم، حتى يتسنى الحديث عن أفضل النتائج. في الأثناء أكدت لنا التجارب أن جزءاً كبيراً من الإعلام، وخاصة العربي منه، ما هو إلا فضاء لتكريس قناعات من يدفع أكثر، وامتداد لمنظومة اجتماعية ثقافية تراكمت تفاصيلها لعقود طويلة، يتم اجترارها في ثوب منمّق ينطلي على المتلقي، حتى لو كانت المادة المطروحة تهدف لإقناع المرأة في هذا الزمن بقبول زوجة ثانية، وإيهامها باختراع علاج نفسي لها لتجاوز الصدمة، وقبول المسألة باعتبارها أمراً يجب ألا تعارضه.

قد يتساءل البعض ما الذي يدفعني لهذا الحديث؟ الحقيقة أنني قرأت منذ أيام، بشيء من الريبة، مقالاً بصحيفة عربية بعنوان "برنامج لتأهيل النساء لتقبل الزوجة الثانية"، مادة إعلامية تأخذ حيزاً لا بأس به وبوضوح كبير يعكس جدية الموضوع، وينفي أي فرضية في أن تكون المادة ساخرة.

المادة، على حدِّ زعم كاتبها، تتحدث عن توصل باحثة متخصصة في علم النفس لتقديم برنامج علاج نفسي وانفعالي، لإعادة تأهيل النساء اللائي يصبنَ بصدمة، نتيجة تزوج أزواجهن بأخريات. الباحثة "العبقرية" تقول إن الزواج بأكثر من امرأة مسألة مشروعة دينياً وقانونياً، ولهذا وجب على المرأة الخضوع، وهي باعتبارها عالمة خبيرة فستتكفل بتقديم دروسها النفسية، وتعيدها تدريجياً لحياتها الطبيعية، التي تتقبل بمقتضاها العيش مع زوجها بعد ارتباطه بأخرى، دون ردود فعل من شأنها تعكير صفو وسعادة هذا الذكر.

بدت المسألة برمتها مجرّد تفصيل صغير تولى الصحافي الذي أخذ على عاتقه العمل على هذه المادة، ومن ورائه الباحثة "العظيمة"، حسمه في مجرد علاج نفسي للزوجة "المسكينة" المطالبة بالخضوع لهذا التأهيل والسماح لزوجها، باعتباره "ذكراً" عربياً، بمعاشرة امرأة جديدة بشكل رسمي وشرعي. وأغفل كلاهما أن يتحدثا عن حق الزوجة الأولى في الرفض، أو التوجه للطلاق مثلاً، والتخلي عن هذا الزوج الذي ذهب إلى غيرها، والانطلاق في حياة جديدة بعيدة عن جلباب رجل مازال يؤمن أن ولادته كذكر تبيح له نكح ما شاء من الإناث.

الباحثة العظيمة التي بررت حق الرجل في الزواج بثانية لم يخوّل لها العلم الذي تلقته تسمية الأمور بأسمائها، لتقول إنها ستتولى تأهيل النساء اللاتي تعرضن لخيانة أزواجهن، ولم يمنحها علمها الجرأة الكافية لتتمرّد على أفكار بالية أورثها إياها محيط اجتماعي رجعي، وتنتصر لنفسها أولاً باعتبارها امرأة. في المقابل بدا كاتب المقال فخوراً بما خطت يداه، كيف لا وقد وجد وصفة علمية لإرضاء نزعته الرجولية، ووهماً جديداً يبيعه لمجتمعات ما تزال تجتر عادات وتقاليد توارثتها لقرون، دون أن تستاء من عبثيّتها وعدم جدواها.

أدهشني هذا المشهد الذي بدا لي كمسرحية ساخرة، واستأت من انخراط وسيلة الإعلام هذه على هذا النحو المخجل بالترويج لصور نمطية ومسيئة للمرأة، وتساءلت: كيف أمكن لصاحب المقال أن يخط هذا المستوى الهزيل من الفكر بحق المرأة، ويرفق اسمه بالمادة دون خجل؟ وكيف مرّرت صحيفة لها مكانتها وقرّاؤها هذا النوع من المواد؟ وكيف لم تعترض الإعلاميات في ذات المؤسسة على تمرير هذا المقال؟

إن لكل مؤسسة إعلامية سياستها وخطها التحريري الذي يحدد طبيعة ما تمرر من مواد، ولكن هناك جملة من الأخلاقيات التي تسيّر العمل الصحفي لا بد من احترامها. واحترام المرأة وعدم الترويج لما من شأنه أن يُسيء لها، أمر يفترض أن تكترث له كل المؤسسات وتلتزم به، بغض النظر عن مدى قناعة بعض الأفراد العاملين داخلها بمسألة حرية المرأة. كما أن أحد الأدوار البديهية الموكولة للصحافي، هو توعية المتلقي ودفعه لتغيير الأفكار المغلوطة التي يكتسبها أساساً بفعل التقاليد الاجتماعية الموروثة، ولا سيما المتعلقة بالمرأة، باعتبارها الطرف الأكثر استهدافاً.

ومن هذا المنطلق، يجدر بالإعلام العربي، الذي أثبت في العديد من المرّات والعديد من الملفات الهامة، حياده عن الحقيقة، أن يعي أن هناك متغيرات اجتماعية وثقافية وتكنولوجية كبيرة تحدث بسرعة ولا بد من اللحاق بركبها وإلا فاته الكثير. ومن بين هذه المتغيرات، التي لا يبدو أن الصحيفة السالف ذكرها قد صادفتها أو بالأحرى تجاهلتها، أن عهد "سي السيد" قد ولّى، وأن المرأة التقليدية التي لا ترى الدنيا إلا من عيون "الذكر" قد ولّى، وحلّ محله وضع جديد باتت فيه المرأة شريكاً فاعلاً على جميع المستويات، بل وأمسكت بزمام المبادرة في الدفاع عن حقوقها واختيار مصيرها، ولم يعد من المجدي الانتصار للأفكار التي تشدها إلى الخلف.

بدا لي المقال كمسرحية ساخرة، واستأت من انخراط وسيلة إعلام على هذا النحو المخجل بالترويج لصور نمطية ومسيئة للمرأة، وتساءلت: كيف أمكن لصاحب المقال أن يخط هذا المستوى الهزيل من الفكر ويرفق اسمه بالمادة دون خجل؟

تكافح الكثير من النساء في العالم العربي لنيل حقوقها كاملة ووقف سلطة الرجل. خطوات تتطلب دعماً من وسائل إعلام ادعت مناصرة المرأة فيما خذلها البعض عند أول اختبار

صحيح أن أغلب الدول العربية، باستثناء تونس، مازالت تبيح تعدد الزوجات، تحت أقنعة عديدة تلتقي كلها عند مبدأ تضييق الشروط على الراغبين بالزواج بأكثر من امرأة، ولكن دون أن تجرمه عن وعي منها بأنه من السهل كسر هذه القوانين، لكن رغم ذلك تكافح الكثير من النساء في العالم العربي لنيل حقوقها كاملة ووقف سلطة الرجل. خطوات تتطلب دعماً من وسائل إعلام ادعت دائماً مناصرة المرأة فيما خذلتها عند أول اختبار، خطوات تستحق أن يلتفت إليها الإعلام بدل الوقوف عند الأدوار الجمالية والجنسية للمرأة التي كرّسها على مدار عقود.

فقد دأب جزء كبير من الإعلام العربي على تقديم صورة لا تعكس حقيقة المرأة وقام بحصرها في خانة الكائن الاستهلاكي المهتم بالأزياء والتجميل والمطبخ والملاحق للقصص العاطفية، دون الاكتراث للشأن الثقافي والإبداعي والإنساني أوّلاً. وقدمها دائماً على أنها تفتقد القدرة على التفكير والقرار والحسم والإنتاج، وبالتالي فهي في حاجه دائمة إلى عون ومساندة الرجل. فيما أغمض عينه عن المرأة التي تتسلق درجات العلم جنباً إلى جنب مع الرجل، وتتفوق عليه، وتكون حاضرة في كل الاختصاصات من أجل مواصلة تخصيب تلك الأفكار العتيقة عن المرأة وتفريخها مجدداً وإن كانت بتسميات جديدة.

وهنا أستحضر حواراً حدث منذ أيام أيضاً، مع إعلامي بدرجة "دكتور" يعمل في قناة عربية، جاء على خلفية تمريره منشوراً عبر فيسبوك يقول فيه إن المرأة كائن يستحق البقاء في البيت ليلبي الرجل طلباتها كأميرة. جملة استفزتني وسألته عما إذا كانت المرأة تشتكي إعاقة عقلية تجعلها في تبعية للرجل، وأعربت عن استيائي من صدور مثل هذه الأفكار المخجلة من أشخاص مؤثرين، في زمن تتولى فيه المرأة قيادة أقوى البلدان في العالم. ولغياب الحجة للرد على كلامي قام بحذف تعليقاتي فيما ترك التعليقات الأخرى التي باركت فكرته.

هذه الحادثة وجدتني أعود إليها وأنا أقرأ المقال الصحافي المهلل بتأهيل المرأة الأولى للقبول بزوجة ثانية وأتساءل، متى ينتصر الإعلام العربي لقضايا المرأة؟ ومتى نصل لمرحلة تُخضع فيها المؤسسات الإعلامية هؤلاء الصحافيين المروِّجين للصورة الدونية للمرأة للمساءلة والعقاب؟


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard