شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
بلا أسماء ويُقتلن بسبب الحب... هل تعيش المرأة العربية في مجتمع

بلا أسماء ويُقتلن بسبب الحب... هل تعيش المرأة العربية في مجتمع "the handmaid's tale" التخيّلي؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الثلاثاء 17 سبتمبر 201907:56 م

"لابد وأنَّ المؤلفة كتبت تلك القصة وهي تعيش في فيصل بقلب القاهرة، أو في أحد قرى ونجوع صعيد مصر، ليس هناك شكّ في ذلك"، هتفت صديقتي المقربة فور انتهائنا أنا وصديقاتي من مشاهدة الحلقة الأخيرة من المسلسل المثير "حكاية أَمَة" أو "The handmaid` s tale".

بعدها فتحنا نقاشاً حول المسلسل، كانت علامات التعجّب هي المسيطرة عليه، كيف يشبه مجتمع "جلعاد" التخيلي، واقع مجتمعاتنا العربية، وكيف يمكن لأوضاع "الأَمَة" أو "الجارية" التي كتبت عنها الكاتبة الكندية مارغريت آتود في 1985، تتشابه مع أوضاعنا نحن كنساءٍ عربياتٍ في القرن الواحد والعشرين؟

المسلسل رواية للكاتبة مارغريت آتوود، ينتمي لأدب "الديستوبيا" أي "المدينة الفاسدة"، كُتب في 1985، ويحكي عن جماعةٍ دينيةٍ متطرّفة دبّرت عدة تفجيرات كبرى بالولايات المتحدة الأمريكية، وأدخلت البلاد في حربٍ أهلية، نتج عنها انتصار الجماعة وسيطرتها على الحكم في 50 ولاية من أصل 52 ولاية أمريكية.

تتمحور أفكار تلك الجماعة حول الخصوبة وتقديس الإنجاب، فيسمون دولتهم "جلعاد"، نسبةً لمدينةٍ أردنيةٍ قريبة من نهر الأردن، كانت معروفة بالخصوبة العالية وذُكرت في الكتاب المقدّس، يتم في تلك الدولة اختزال دور النساء فقط في كونها زوجة وأم، لا مساهمة منها في أي مجالٍ آخر.

ينتهي الجزء الثالث من المسلسل والذي عُرض منذ أيامٍ قليلة على شبكة "hulu"، بنجاح الأَمَة البطلة "جون"، في تهريب عشرات الأطفال من "جلعاد"، إلى كندا التي فتحت أبوابها أمام اللاجئين الأمريكيين، بعد اندلاع الحرب الأهلية.

المرأة باسم الرجل

نقاشٌ مفعمٌ بالمرارة جمعني مع صديقاتي اللواتي شاركنني متابعة الحلقة الأخيرة، استخلصنا منه كمَّ التشابهات الكثيرة بين مجتمع "جلعاد" المتطرّف ومجتمعاتنا العربية، كان أبرزها وأوّلها ما تمّ إيضاحه منذ الحلقة الأولى في الموسم الأول، وهو استبدال أسماء النساء بأسماء مالكيهنّ.

تقول فريدة ناصر (20 عاماً)، مصرية طالبة بكلية التجارة، لرصيف22: "البطلة كان اسمها الحقيقي "جون"، ولكن تم استبداله بـ"أوفريد- of fried"، بضمير ملكيةٍ عائدٍ على المالك أو القائد، الأمر الذي يذكّرني بالألقاب أو الكنيات التي تُمنح للنساء، العائدة على الأب أو الزوج أو الابن، تجنباً لنطق أسمائهن الحقيقية، فمثلاً في دعوات الفرح يكتب "كريمة الحاج فلان الفلاني"، وفي الشارع ننادي عليها بـ"أم فلان"، وعندما يتحدّث عنها زوجها يقول "جماعتنا أو البيت عندنا" أو يُطلَق عليها أحد أسماء أبنائها الذكور، كأنها كائن بلا هوية أو اسم، فقط هي تابع للذكر الذي تعيش معه".

"في دعوات الفرح يكتب "كريمة الحاج فلان الفلاني"، وفي الشارع ننادي عليها بـ"أم فلان"، وعندما يتحدّث عنها زوجها يقول "جماعتنا أو البيت عندنا" أو يُطلَق عليها أحد أسماء أبنائها الذكور، كأنها كائن بلا هوية أو اسم"

لوم الضحية دائما وأبداً

التقطت الحوار من فريدة، صديقةٌ أخرى مغربية تعيش في مصر أيضاً، نورسين محمد، ربة منزل (31 عاماً)، تقول: "في الحلقة الأولى أيضاً، كانت المشرفة الخاصة بالفتيات المقبوض عليهن ليتم استعبادهن في دولة "جلعاد"، قد جمعتهن للاستماع إلى فتاةٍ تعرّضت لاغتصابٍ جماعي أثناء مرحلة الدراسة على يد زملائها في المدرسة، وأخذت المشرفة ترغمهن على ترديد عبارات "إنه خطؤها"، و"إن الله أراد أن يعلمها درساً"، شعرتُ بالغثيان من المشهد، ولكن سرعان ما استحضر عقلي تعليقات الناس على وقائع التحرّش والاغتصاب في مجتمعي، فدائماً وأبداً هو خطأ الضحية مهما كانت مغطاة أو ذات مظهرٍ ملتزمٍ فهي دوماً المخطئة، وأتذكر أنني شاهدت مقطعاً مصوراً للداعية السلفي محمد حسين يعقوب، يقول فيه إن النقاب لا يكفي لحماية النساء من التحرّش، وإنه مجرد خروجهن من المنزل دون حاجةٍ هو سبب يجعلهن مستحقاتٍ للانتهاك، فيسلّط الله عليهن الشيطان ليؤذيهن ويعلمهن درساً".

تتذكر نورسين "درساً" آخر ليعقوب، يقول بصوته الجهوري: "احذري يا أختاه، فارتداء شراب بني وشنطة حمراء" كافٍ ليجعلك عرضةً للتحرش لأنك لفت انتباه الرجال لكِ".

الديانات الأقلية

أما صديقتي المهتمة بأوضاع الأقليات الدينية، المصرية كريستينا جميل، 25 عاماً، فلفت انتباهها أنه في أحد الحلقات يتم تسليط الضوء على "عمر" الذي يساعد البطلة على الهروب من دولة "جلعاد"، وتظهر لنا الأحداث كيف أنه من الأقلية المسلمة فيتمّ إجباره على حضور القداس رغم اختلاف العقائد.

ماتراه كريستينا متشابهاً جداً، "إجبار الأقليات الدينية على إخفاء عقائدها، والتظاهر بالتدين بالدين الرسمي للمجتمع والدولة"، وتعتبر هذه الحالة "سمة أساسية" في متجتمعنا العربي.

تتذكر وعلامات الوجع والألم بادية في صوتها: "كم من شيعي بيننا يخشى الإعلان عن نفسه، وكم من لاديني أو ملحد أو راغب في التحول عن الاسلام، يخشى بطش الأجهزة الأمنية التي يمكن أن تحاكمه بتهمة ازدراء الأديان، وكم من بهائي تعرّض للتعذيب في قرية الشورانية بالجيزة في 2003، أو أُحرق منزله في البحيرة في 2010، أو تعرّض للتهجير القسري من بيته من محافظات الصعيد في 2009، أو حتى تعرّض للتهديد والعنف من قبل جيرانه ومجتمعه الصغير، مثل الشيخ الشيعي حسن شحاتة العناني، الذي قُتل في الجيزة في 2013".

"كم من شيعي بيننا يخشى الإعلان عن نفسه، وكم من لاديني أو ملحد أو راغب في التحول عن الاسلام، يخشى بطش الأجهزة الأمنية التي يمكن أن تحاكمه بتهمة ازدراء الأديان، وكم من بهائي تعرّض للتعذيب، مثلما يحدث في المسلسل"

لا طفولة للإناث

في حلقةٍ من الموسم الثاني، تُظهر حفل زفافٍ جماعي، يتم فيه عقد زفاف عدد من الفتيات اللواتي لم يتجاوزن 15 عاماً، للجنود الذين أظهروا بسالة في الدفاع عن قيم "جلعاد"، ومن بينهم أحد الأبطال.

تعلّق بشرى حمد، سورية (31 عاماً) تعمل بالدعاية في السوشيال ميديا، على هذا المشهد: "براءة ملامحهنّ، وسذاجة أحلامهنّ، ذكّرتني بالفتيات الصغار في قرية بارمايا بمحافظة طرطوس التي تربيت فيها، هناك 70 ألف حالة وفاة سنوية تقريبا، أثناء مرحلة الزواج والحمل لنساء بين 15 و19 عاماً، خضعن للزواج المبكر أو ما نطلق عليه زواج القاصرات".

وتتابع حمد: "القانون السوري لا يحمي الفتيات الصغيرات، فحتى مع التعديلات الأخيرة، تم قصر العقوبة على عقد القران على قاصر دون موافقة ولي أمرها".

ممنوعة من القراءة أو الانترنت

"إحدى حلقات الموسم الثالث، تظهر كيف يتم منع النساء والأطفال من القراءة، طبعاً الحجّة المعروفة أن القراءة تُفسد عقولهن"، هكذا قالت أفنان ياسين، طبيبة من الأردن، "رغم إنه الآن لم يعد المنع من القراءة أو التعليم منتشراً كما الماضي، لكن حلّ محله ممنوعات أخرى، فتجد رجلاً يمنع زوجته أو خطيبته أو أياً كان مسمّى العلاقة التي تربطهما، من المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي، أو تصفّح الانترنت، البعض يذهب لأبعد من ذلك، حيث يمنع أو يحبط شريكته من القراءة العامة، ويظل يردّد على مسامعها جمل مثل: "مش خلصتي دراسة ومذاكرة؟ لازمته إيه بقى وجع العينين"، وغيرها من الجمل".

وقالت مها حامد، صحفية 29 عاماً: "في مشهدٍ من الحلقة الأخيرة من الموسم الثالث، قالت البطلة للفتاة التي اعتزمت على تهريبها من دولة "جلعاد" إلى كندا، "هناك ستكونين كيفما أردت، لا يجب عليكِ أن تكوني زوجة أو أماً لأحدهم لو لم ترغبي في ذلك"، طيلة أحداث المسلسل يتم التأكيد على دور النساء كزوجات وأمهات في فكر مجتمع جلعاد، فيتم تأهيل الصغيرات لهذا الدور أو "القدر البيولوجي" كما أطلقوا عليه، ليس هناك أي دورٍ أو حديثٍ عن دور النساء بعيداً عن هذا.

جرائم الشرف

تدخّلت صديقتنا إكرام علي، 29 عاماً، "اسم مستعار"، صحفية مصرية، لتقول "ألم تذكّركم قضية إسراء غريب الفتاة الفلسطينية ضحية ما يسمى بـ"جرائم الشرف"، بالفتاة ذات الخمس عشر عاماً التي زُفّت لأحد الأبطال في حفل الزفاف الجماعي المقام للفتيات القصّر، في الحلقة الخامسة من الموسم الثاني، التي قتلت لأنها أحبت شاباً آخر غير زوجها، أعتقد أن مشهد قتلها بالغرق هي وحبيبها، بكل ما مثلته الحلقة من تناقضات مجتمع جلعاد، تنطبق تماماً مع جرائم الشرف في مجتمعاتنا".

وقالت نيفين مصطفى، 32 عاماً، مترجمة أردنية، "تعليق المثليين على الحائط بجوار المتمردين والكهنة ورجال الدين الذين رفضوا قيم دولة جلعاد، ذكّرني باعتقال وحبس المثليين والمثليات والعابرين والعابرات في المنطقة العربية، والتي كان أشهرها قضية فرقة مشروع ليلي في مصر، ثم منع حفلتها في لبنان، فالدولة ورجال الدين يتدخلون في أدق خصوصيات المواطن، حتى علاقته بجسده وميوله الجنسية تجاه من حوله، كل هذا تعتبره الدول الأصولية والرجعية أحد اختصاصاتها، وليس الدولة فقط، وإنما هو كذلك ضمن دائرة اختصاصات الأفراد والمواطنين، مثلما تمَّ اغتيال مِثْلي في وسط مدينة فاس بالمغرب في 2015، وقتل الطفل محمد المطيري 15 عاماً بالعراق لشكّهم في ميوله الجنسية بسبب ما سمّوه "شكله الأنثوي" في 2018.

طرح المسلسل حلاً لبنات مجتمع "جلعاد" وهو الاتحاد والمقاومة والهروب إلى كندا، المناصرة للمرأة وحريتها، ويظل التساؤل يبحث عن إجابة: ماذا تفعل المرأة العربية وهي محاصرة بشكل أو بآخر بمجتمع يشبه  إلى حد كبير"جلعاد"، فهل تسلك نفس الطريق للهروب، أم هناك طريق آخر للمقاومة، والاستمرار؟

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard