شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
20 عاماً من حكم محمد السادس… المغرب ليس وردياً ولا قاتماً ولكن مع إنجازات

20 عاماً من حكم محمد السادس… المغرب ليس وردياً ولا قاتماً ولكن مع إنجازات

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الاثنين 19 أغسطس 201911:49 ص

من الصعب أن ينكر أحد أن فترة حكم الملك محمد السادس تختلف كثيراً عن سنوات حكم أبيه وأجداده، فمجرّد إمكانية الحديث اليوم بكل أريحية عن حصيلة العقدين اللذين أمضاهما في الحكم منذ تسلمه لمقاليده بإيجابياتها وسلبياتها، تظهر بالملموس أن المغرب في عهده قد قطع أشواطاً مهمّة في مجال حرية التعبير، واستطاع تجاوز القمع الذي طبع سنوات الجمر والرصاص في عهد من سبقوه.

تأكيده في خطابه الأول حين اعتلاء كرسي العرش في الثلاثين من يوليو 1999 عن عزمه بإقامة دولة الحق والقانون، وصيانة حقوق الإنسان والحريات الفردية والجماعية، إعفاء وزير داخلية الحسن الثاني، إدريس البصري الذي كان سيفاً مسلطاً على رقاب المعارضين من مهامه، قرار السماح للمعارض اليساري إبراهيم السرفاتي، المحكوم سابقاً بالمؤبد، بالعودة إلى أرض الوطن وتمكينه من جواز سفره المغربي، بعد أن كان منفياً في فرنسا ثم تعيينه لاحقاً مستشاراً لدى المكتب الوطني للأبحاث والتنقيب عن النفط، وفي خطوةٍ شجاعةٍ أخرى ،رفع الإقامة الجبرية التي دامت عشر سنوات عن عبد السلام ياسين، زعيم جماعة العدل والإحسان المحظورة، رغم أن هذا الأخير أرسل إلى الملك فور توليه للحكم رسالة مكتوبة بنفس الأسلوب الذي دفع الدولة سابقاً في شخص الملك الراحل الحسن الثاني إلى اتخاذ موقف العداء ضدّه وإيداعه مصحة الأمراض العقلية ثم السجن بعد ذلك، وقبل أن تفرض عليه الحصار في منزله... كلها إشارات كانت تدل على بداية عهد جديد، وعلى أن الملك الشاب قرّر سلوك طريقٍ آخر غير طريق والده، وهذا ما تأكد فعلاً حين أحدث هيئة الإنصاف والمصالحة سنة 2004، من أجل تصفية الانتهاكات الفظيعة لحقوق الإنسان التي عرفها المغرب خلال سنوات الرصاص، في محاولة منه لطي هذا الملف والتخلّص الفعلي من مخلفات العهد السابق.

 المغرب في عهد محمد السادس قد قطع أشواطاً مهمّة في مجال حرية التعبير

في نفس الوقت لا نقول أن الحياة السياسية والاجتماعية قد أصبحت وردية في عهد "ملك الفقراء"، أو أن المغرب استيقظ ليجد نفسه في مصاف الدول المتقدّمة يوم اعتلى محمد السادس العرش، لكن الإنجازات التي قام بها على مدار العشرين عاماً الماضية تحسب له وتستحق أن يُنوَّه بها، فسياسات الورش الكبرى التي أطلقها في السنوات الأولى من حكمه، ساهمت بشكلٍ كبير في إعادة هيكلة البنى التحتية، وتنزيل المخططات التنموية التي دعمت بدورها قطاعي الزراعة والصناعة، وحسنت الوضع المعيشي للمغاربة، سواء من الناحية الاجتماعية أو من الناحية المادية، التي حاول إصلاحها عن طريق مبادرة التنمية البشرية، حتى وإن كانت هذه المبادرة تعتبر اليوم فاشلة نوعاً ما بسبب عجزها عن تقليص مستوى الفقر والهشاشة بالشكل الذي كان يُراد منها، إلّا أن كل هذه الإصلاحات قد قدّمت دفعةً جيدة للاقتصاد الوطني ومكّنت المغرب من خلق مكانةٍ مهمةٍ في الشرق الوسط وشمال أفريقيا من حيث الاستثمارات الأجنبية.

على المستوى الحقوقي، تعتبر مدوّنة الأسرة حسب المحللين، قفزةً نوعية في مجال حماية حقوق المرأة وتزكية وزنها في المجتمع، خصوصاً بعد الصراع المحتدم بين الحركات النسائية والجمعيات الحقوقية من ناحية، والإسلاميين من ناحيةٍ أخرى، الأمر الذي أدى إلى فشل مشروع قانون الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية، لأنها حافظت على المرجعية الإسلامية وقواعدها، والتزمت في الوقت نفسه بالاتفاقيات الدولية التي وقعها المغرب من أجل النهوض بالمجال الحقوقي، وهو ما اعتبر انتصاراً للطرفين.

ورغم أن الملك الجديد أثبت نفسه على عدة مستويات، بما فيها المستوى الديبلوماسي فيما يخص قضية الصحراء ومبادرة الحكم الذاتي التي سوق لها جيداً في المجتمع الدولي، وحصل بفضلها على دعم الكثير من الدول مما جعل المغاربة يتنفسون الصعداء ويعقدون آمالهم على عجلة الديمقراطية والحداثة التي أصبحت تدور بطريقة ملحوظة في عهده، إلا أن الهجمات الإرهابية المتوالية على المغرب عامي 2003 و 2007 كان لها رأي آخر، وأبت إلا أن تدفع الدولة السائرة في طريق المقاربات الاجتماعية والليبرالية للعودة إلى المقاربة الأمنية مرة أخرى، وإحكام قبضتها على الشارع عبر سنِّ قانونٍ جديد يرى البعض أنه منافٍ لحقوق الإنسان، في حين يرى البعض الآخر أنه شرّ لا بد منه، وأن هذا القانون الصارم هو ما يجنب المغرب اليوم التعرّض لهجماتٍ إرهابية بنفس الحدة المتواجدة في دول أخرى.

 لا نقول أن الحياة السياسية والاجتماعية قد أصبحت وردية في عهد "ملك الفقراء"، أو أن المغرب استيقظ ليجد نفسه في مصاف الدول المتقدّمة يوم اعتلى محمد السادس العرش، لكن الإنجازات التي قام بها على مدار العشرين عاماً الماضية تحسب له وتستحق أن يُنوَّه بها

الانتكاسة الحقيقية في العشرين سنة المفعمة بالحرية والديموقراطية، هي المقاربة الفاشلة التي دبّر بها حراك الريف وحراك جرادة، والأحكام القاسية الصادرة في حق المعتقلين، التي أظهرت أن الدولة لا زالت تعاني من قصورٍ حقيقي في التعامل مع الأزمات والاحتقان

هذه المقاربة الأمنية، ستقل تدريجياً مع بداية الربيع العربي وظهور حركة عشرين فبراير، محققة للمرة الأولى إجماعاً بين أطياف المجتمع (اليسار، الإسلاميين وحتى اللامنتمين) بعد تجاوب الملك مع نبض الشارع وبروز الملكية كصمّام أمانٍ عقلاني، في الوقت الذي اختارت فيه أنظمة أخرى التنكيل بشعوبها، من خلال خطاب يوصف بالتاريخي، لأنه اعتُبر بمثابة استجابةٍ غير مباشرة لمطالب الحركة ونقدٍ ذاتي يعترف بضرورة تنقيح الدستور القديم، ما أدخل المغرب إلى فترة مغايرة يدعوها البعض بالذهبية، نظراً للنفس الذي ضخّه دستور 2011، وصعود الإسلاميين للحكم لأوّل مرّة في التاريخ عن طريق انتخاباتٍ ديمقراطيةٍ نزيهة مائة بالمائة، الأمر الذي سيجرّ علينا الوبال لاحقاً، فبعد أن كان هؤلاء الإسلاميون من أشد المعارضين والمهاجمين للدولة، أصبحوا بعد أن ولجوا غمار السلطة من محترفي تبرير الانتكاسة، بل وصنعها في أغلب الأحيان، وإن كان البعض، وأنا منهم، يرى أن الفترة الذهبية الحقيقة من حكم الملك محمد السادس هي ما بين 2002 و2010، لغناها بالمشاريع والإنجازات رغم بعض العثرات.

الازدهار الذي عاشه هذا البلد النامي في العشرية الأولى من العهد الجديد، والمحطات الكبرى التي مر منها، تؤكد أن رياح التغيير لازالت تهب في بلد الاستثناءات

لكن الانتكاسة الحقيقية والمنعطف الأصعب في العشرين سنة المفعمة بالحرية والديموقراطية، هي المقاربة الفاشلة التي دبّر بها حراك الريف وحراك جرادة بعده، والأحكام القاسية الصادرة في حق المعتقلين، التي أظهرت أن الدولة لا زالت تعاني من قصورٍ حقيقي في التعامل مع الأزمات والاحتقان، وإن كان المغاربة اليوم لا يزالون يتطلعون بعيون كلها أمل نحو الملك، منتظرين صدور عفو من طرفه عن هؤلاء المعتقلين.

وعموماً، نستطيع القول أن الأفق السياسي المغربي الحالي ليس وردياً، لكنه في الوقت نفسه لا يمكن أن يكون قاتماً، فالازدهار الذي عاشه هذا البلد النامي في العشرية الأولى من العهد الجديد، والمحطات الكبرى التي مر منها، تؤكد أن رياح التغيير لازالت تهب في بلد الاستثناءات، وأن الوضع قابل للانفتاح والتطور إذا ما تحملت كل من الملكية والحكومة على حد سواء، مسؤولياتها، وحاولت مكونات المجتمع أن تساهم في الإصلاح وتساعد على تجاوز العقبات، بدل التذمّر السلبي، فالأهم من التركيز على كبوة الجواد هو مساعدته على الوقوف مجدداً وتشجيعه على إنهاء السباق.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard