شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
لا علاقة له بالجنس... لماذا يُفضّل رجال المرأة

لا علاقة له بالجنس... لماذا يُفضّل رجال المرأة "العذراء"؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الخميس 8 أغسطس 201904:00 م

لم تكن أكثر من جلسةٍ ذكورية نتحدّث فيها عن كل شيء: العمل، الأحلام، ذكريات سنين مرّت، الآمال المؤجلة. المتزوجون منا تحدّثوا عن أعباء حياتهم الجديدة، ومن لم يتزوّج أعلن أنه في ظل الأسعار الحالية لن يكون هناك زواج "معادنا في الجنة أهو في حور عين هناك وعذارى ملمسهمش حد"، لم يكد يكمل جملته حتى صرخ زوج حديث جداً "عذارى تاني!؟".

لم يفهم العُزّاب كثيراً سرَّ قهقهة المتزوجين التي انطلقت، وكل منهم يضيف نوعاً من المأساة بكلماتٍ مضحكة، أما أنا فشردت: لماذا وعدنا الله بعذارى في الجنة، بل ولماذا يتمُّ تفضيل الفتاة العذراء عمن فقدت غشاء بكارتها؟

حتى قبل زواجي، كانت ثقافتي السائدة أن يوم الدخلة هو أمتع الأيام على الإطلاق، بالطبع تلك المتعة تتعلّق بإقامة علاقةٍ حميمية لأوّل مرة في حياتك، في ظلِّ مجتمعٍ تترسّخ فيه ثقافة أن أية علاقة خارج الأطر المحددة سلفاً بواسطة الشرع جريمة يجب معاقبة من فعلها، لكن مع اقتراب موعد الزفاف، جاءت النصائح من أصدقاء تزوّجوا، واختلفت الصورة تماماً، واجهوني بالحقيقة، رأيتهم يحدثونني عن أدويةٍ وعقاقير لتخفيف الآلام، عن عدم الاندفاع وإلخ، ونصائحهم أثبتت صحتها معي ومع غيري.

بعد الزواج، عرفت أن ليلة الدخلة، أو عملية فضِّ غشاء البكارة بالتحديد، ليس فيها أية متعةٍ جنسية على الإطلاق، هي أوقات للألم وقد تصل حد الإعياء كما يحدث مع بعض الفتيات، وأن أي تصوّرات عن العلاقة الحميمية عند الزوج أو الزوجة تتم بعد فترة، وتحديداً بعد أن تكون حصلت عملية "الاعتياد"، وقتها فقط يمكن الحديث عن المتعة.

استمرّت المناقشات وطُرحت فكرة الزواج من سيدة غير عذراء، وكان الرفض جماعي والسبب واحد "ليه أتجوز واحدة أنا مش أول راجل في حياتها؟" ورغم عبثية الطرح، إذ أن الزواج من عذراء لا يعني بالضرورة أن المرأة لم تكن لها علاقات سابقة، لكنهم تغاضوا عن ذلك وأكدوا أنهم لن يقبلوا إلا فضّ غشاء بكارة زوجاتهن، وقصة الألم والمتعة يمكن الصبر عليهما.

تلك الرؤية الجماعية في جلستنا، لخّصت بالنسبة لي سبب تفضيل الرجل للمرأة البكر، لا علاقة للأمر بالجنس بل بغرور الرجل نفسه، غروره الذي يجعله لا يقبل إلّا أن يكون الرجل الأول في حياة زوجته، ويجعله لا يتقبل فكرة أن المرأة التي في حياته في يوم من الأيام أقامت علاقةً حميمية مع رجل آخر، حتى لو كان زوجها، ذلك يخدش بطولته التي تُبرّر له ممارسة نفس الفعل قبل الزواج وفي أطر غير شرعية في بعض الأحيان.

 سبب تفضيل الرجل للمرأة البكر، لا علاقة للأمر بالجنس بل بغرور الرجل نفسه، غروره الذي يجعله لا يقبل إلّا أن يكون الرجل الأول في حياة زوجته

هذا الغرور الذي يصيب بعض الرجال، لم ينشأ من فراغ، الأمر تراكمي على مدار مئات السنين، صنعت في النهاية نظرة الرجل إلى نفسه، وإيمانه في كثير من الأحيان بأن أفضليته على النساء هي سُنّة كونية، وفطرة الله التي أرادها لعباده، وبالتالي يحق له ما لا يحق لأية أنثى، ولأن الدين مكوّن ثقافي مهم ورئيسي في تشكيل عقلية الإنسان، فإن البداية يمكن أن تكون من القرآن الكريم الذي حوى بعض الآيات التي فسّرها بعض الشيوخ كدليلٍ على أفضلية الرجل، مثل "الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ"، وفي الميراث "للذكر مثل حظ الأنثيين"، ثم إباحة تعدّد الزواج الرجل وتحريمه على المرأة، ورغم أن هناك تفسيرات كثيرة لتلك الآيات تُؤكّد خطأ هذا التفسير، بل واتخذت بعض الدول مثل تونس إجراءات كالمساواة في الميراث، لكن العقل الجمعي ظل مؤمناً بأن الرجل هو الأفضل.

تفسير بعض آيات القرآن الكريم غير مسؤول فقط عن ترسيخ غرور الرجل، أيضاً مذاهب الفقه جاءت لتزيد هذا الشعور، ولتُثمّن المرأة بحسب غشاء بكارتها، يقول الإمام أبو حنيفة تحت عنوان إمارات قبول النكاح: إنه نوعين، المرأة البكر، فيكفي في الدلالة على رضاها سكوتها أو ضحكها لاستحيائها من إظهار الرغبة في الزواج، أما الثِّيَّب (التي تزوّجت من قبل) فلا بد من التصريح بالقبول، أما المذهب المالكي، فنصَّ على أن المرأة البكر يجب تزويجها بوليٍّ، عكس الثِّيَّب التي لا يجوز للأب ولا لغيره أن يزوجها إلا برضاها.

خلوُّ تلك المذاهب من أية إشارة للرجل سواء أكان بكراً أم لا، ساهم في شعور الرجل أن لا شيء يعيبه أو ينقص من قدره، كما ساهم في تحديد نظرته للمرأة التي يريد زواجها بحسب غشاء بكارتها، بجانب طبيعة المرأة الجسدية التي يمكن بسهولة معرفة هل هي عذراء أم لا، عكس الرجل.

الغرور الذي يصيب بعض الرجال، لم ينشأ من فراغ، الأمر تراكمي على مدار مئات السنين، صنعت في النهاية نظرة الرجل إلى نفسه، وإيمانه في كثير من الأحيان بأن أفضليته على النساء هي سُنّة كونية، وفطرة الله التي أرادها لعباده، وبالتالي يحق له ما لا يحق لأية أنثى

ومن المنطلق الديني إلى الاجتماعي، لم تختلف الأمور كثيراً، وإذا كان الأمر ارتبط دينياً بأفضلية الرجل، فالعادات القديمة رسّخت مفهوم أنه كلما كثرت علاقات الرجل الجنسية كان ذلك دليلاً على فحولته، ولم يكن الرجل ليتبرّأ منها بل يفتخر بها

ومن المنطلق الديني إلى الاجتماعي، لم تختلف الأمور كثيراً، وإذا كان الأمر ارتبط دينياً بأفضلية الرجل، فالعادات القديمة رسّخت مفهوم أنه كلما كثرت علاقات الرجل الجنسية كان ذلك دليلاً على فحولته، ولم يكن الرجل ليتبرّأ منها بل يفتخر بها، وفي صفحات التاريخ أرقام فلكية عن جوارٍ لملوك وخلفاء تولوا شؤون الدولة الإسلامية، مثل هارون الرشيد صاحب الأربع آلاف جارية، كما ذُكر في بعض الروايات، أو ملك يشتري كل عام 365 جارية بعدد أيام السنة شرط أن يكنَّ عذراوات ليفضَّ بكارتهن بنفسه ثم يستبدلهن بعد ذلك، المثير أن ذلك تزامن مع حرمان المرأة من ممارسة الجنس قبل الزواج حتى قبل الإسلام، وبات هذا الفعل مقتصراً على الجواري فقط، أما نساء العائلات فمحرومات منه، وهو ما لخّصه القول الشائع عن هند بنت عتبة للنبي محمد حين جاءت لتسلم وطلب منها أن لا تزني، فقالت مستغربة "الحرة لا تزني" والمقصود بالحرة المرأة الشريفة المكرمة بين أهلها.

هذا الموروث استمر من خلال التيارات الدينية المحافظة على مدار العقود، وحوربت أي وجهة نظر مخالفة، ففي الأدبيات السلفية مثلاً والتي تسوّق لفكرة أن المرأة البِكْر أفضل من غيرها في العملية الجنسية، يزعم شيوخها أن بعد إقامة علاقة حميمية كاملة مع الحور العين تعود بكراً مرة أخرى، وهو ما صاح منه صديقي (ده باينه هيبقى مرار طافح).

هذا الموروث أيضاً هو السبب في مصطلح شرف العائلة، وبات همّ كل أسرة إحاطة فتاتها "وحمايتها"، وتحديداً حماية غشاء بكارتها، حتى تطمئن عليها صبيحة يوم زفافها كما هي العادة التي تراجعت مؤخراً، وإن كانوا في بعض المناطق يطوفون بدم غشاء البكارة كدلالة على "عزة" ابنتهم، فإذا كانت المرأة التي فقدت غشاء بكارتها بعلاقةٍ شرعية يتمّ الانتقاص منها فما بالك إذا كان الفقد "غير الشرعي".

كما تسبب هذا الموروث أيضاً في رفض بعض الرجال للزواج من أرملةٍ أو مطلقة، فالرجل الذي ينتمي لتلك العقلية، لا يقبل إلا أن يكون أول رجل مع زوجته حتى لو عشقت قبله عشرات الرجال، وحتى لو ضاجع هو مئات النساء فهذا لا يعيبه، المهم أن لا "يُفضّ غشاء بكارتها" إلا من خلاله.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard