شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
الاستعمار جرّم المثليّة ثم عاد ورثته ليُحاسبوا العرب على

الاستعمار جرّم المثليّة ثم عاد ورثته ليُحاسبوا العرب على "تخلّفهم"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الأربعاء 22 مايو 201907:08 م

لم تكن مسابقة الأغنية الأوروبية يوروفيجن التي نُظّمت في تل أبيب هذا العام مناسبة للكيان الصهيوني لتبييض صفحته أمام الدول "المتحضّرة" وحسب بل أتاحت له أيضاً الترويج لقيم توصف بـ"الغربية" كتلك التي تهدف إلى احتضان الهويات الجنسية المثلية وثنائية الميل الجنسي والعابرة جنسانياً LGBT والتحوّل إلى بلد "صديق للمثليين".

وكما شرحت المفكرة الأمريكيّة جوديث بتلر، فإن القومية المثلية (homonationalisme- مصطلح اقترحته الباحثة في مجال دراسات النوع الاجتماعي جاسبر بور عام 2007 للإشارة إلى طريقة تعامل بعض السلطات مع مطالب مجتمع الميم لتبرير كراهية الأجانب) تصبح سلاحاً أيديولوجياً لتصنيف الأنظمة على أساس ديمقراطي وغير ديمقراطي. وبالتالي، تنجح إسرائيل في عملية اندماجها في هذه "الحضارة" على عكس فلسطين "المتخلّفة" و"المعادية للحداثة" والتي لا يمكن لشعوب الشمال التماهي معها.

في هذا الإطار، يُعتبر المغني الشاب من أصل مغربي بلال حسني - أحد وجوه مجتمع الميم وقد مثّل فرنسا في يوروفيجن - حالة نموذجية. فعلى الرغم من أن ارتداء ملابس الجنس الآخر (travestissement) هو جزء لا يتجزّأ من الإرث الثقافي المغربي ويشارك المثليون و/أو العابرون جنسياً في عروض في الدار البيضاء من دون إثارة أي عدائية، إلاّ أن بلال حسني تعرّض للإهانات وحتى للتهديدات من قبل أبناء طائفته.

لا تعود هذه المفارقة، إذا ما فككنا شيفرة البعد الضمني النيوكولونيالي، ضمن ما يرافق الترويج للفنان. فالغضب الذي أثاره لدى غير البيض يتناسب عكسياً مع الحماسة التي يثيرها لدى التقدميين الغربيين. فهو لا يحظى فقط بدعم غير مشروط من الحكومة والنخب الفرنسية التي هنّأته على "اندماجه الناجح" وعلى "نجاحه" بل أيضاً بإشادات من اللوبي الصهيوني بشخص ماير حبيب النائب والمدافع عن الدولة العبرية.

لنكن صريحين: التقدمية التي تُظهرها هنا هذه النخبة الإمبريالية ليست سوى واجهة، فدعم "تحرير" المثليين العرب أو المسلمين هو نظير السعي الاستعماري لتحرير نساء بلدان الجنوب، كما وصفه فرانز فانون. وفي هذا الإطار، لا بدّ من قراءة الأعمال الرائدة للأستاذ جوزف مسعد وبشكل خاص كتابه الشهير "اشتهاء العرب" (Desiring Arabs). 

إذاً ثمّة بُعدٌ عنصري ومعادٍ للمثلية على السواء في سياسة منع المثليين المسلمين والسود من تسييس جنسانيّتهم. فالحاكم الأبيض يسعى بكل الطرق إلى الهيمنة على الرجولة غير البيضاء التي يشعر بأنها تنافسه. من جهة، يريد حرمان الرجل من زوجته ومن جهة يريد تجريده من سماته الذكرية.

التاريخ الكولونيالي مهم لفهم كيف استطاع المُستعمِر فرض هيمنته على شعوب الجنوب لتفضيل الغيريّة الجنسيّة كما يفعل الآن مع الهويات المثلية... القيادية في حزب "أهالي الجمهورية" الفرنسي تُفنّد العلاقة بين الاستعمار ورهاب المثلية
الإدارة الاستعمارية جرّمت العلاقات الجنسية المثلية عام 1910 في تونس، فمأسست رهاب المثلية ليتحوّل تدريجياً إلى "سمة ثقافية"... 

ولا شك أن ذلك يمرّ عبر قراءة للذكورة تعادي المثلية. فسلطة الرجل الأبيض تتظاهر بأنها صديقة للمثليين بينما هي في الواقع غارقة في رهاب المثلية. وهذا نظير مثلي للفيلوساميّة (philosémitisme).

فمن خلال دعوة المثليين إلى الخروج إلى الضوء وتنصيب نفسها حامية لهم، تسعى سلطة الرجل الأبيض إلى تحييد ذكورة منافسة ومهددة للنظام الاجتماعي الأبيض. وهذه الرسالة يفهمها جيداً الرجل غير الأبيض ولا تقود سوى إلى نتيجة واحدة: المزيد من الذكورة ورهاب المثلية والتعصّب.

من أجل فهم هذه الظاهرة، يجب العودة بالتاريخ إلى فترة ما قبل الاستعمار وما بعده.

بدايةً، يجب أن نتفق على أن العلاقات الجندرية أو الجنسانية ليست راسخة وثابتة وفق الاعتقاد السائد. فالمنظومات الجنسية أو الجندرية ما قبل الكولونيالية مستعدة لمفاجأتنا من حيث تنوّعها وأصالتها إذا تكبّدنا عناء تغيير المنظار الذي نتناول فيه الموضوع. فليس صحيحاً أن النساء عبر التاريخ لُصقت بهنّ دائماً الأعمال المنزلية ولا الرجال مُبرمجون دائماً لخوض الحروب وليس رهاب المثلية ظاهرة موغلة في القدم.

حين صدّر الأوروبيون تفضيل الغيريّة الجنسيّة، صرنا مثلهم، وحين قرروا مقاومة هذا النظام الذي ابتدعوه بأنفسهم من خلال تصدير نضالات المثليين، صرنا نقلّدهم تحت طائلة إقصائنا من مسيرة البشرية

من المناسب هنا كذلك أن نتوقف عند التاريخ الكولونيالي لفهم كيفية تدمير الاستعمار للبنى الاجتماعية والديناميّات الخاصة بها وكيف استطاعت السلطة البيضاء عبر تاريخ طويل من الهرمية والتطبيع والتهميش فرض هيمنتها على شعوب الجنوب لتفضيل الغيريّة الجنسيّة (hétérosexisme) كما تفعل الآن مع الهويات المثلية والكويريّة.

إذا أخذنا نموذج العالم العربي كما نعرفه اليوم أي المتحيّز جنسانياً والذي يعاني من رهاب المثلية، سيكون من الخاطئ تماماً اعتبار ذلك واقعاً ثابتاً. فهذا العالم العربي الذي نعرفه اليوم هو نتاج الحداثة الغربية، لا بل يمكننا حتى القول إنه خضع للغسيل على يدها بطريقة ما. فتفضيل الغيرية الجنسية وثنائية مثلي/غيري الجامدة ورهاب المثلية ظواهر جديدة في العالم العربي ولا يتعدى عمرها قرن من الزمن.

والحالة التونسية دليلٌ على وجهة النظر هذه. فالإدارة الاستعمارية هي التي جرّمت العلاقات الجنسية المثلية عام 1910 في قانون العقوبات (المجلة الجزائية)، فمأسست رهاب المثلية ليتحوّل تدريجياً إلى "سمة ثقافية". 

منذ ذلك الحين أصبح من الصعب الدعوة إلى إلغاء التجريم لأن الرأي عام، الذي أصبح معادياً للمثلية، بات يُعارض ذلك مخافة اختراق/ضرب المثليين للمجتمع التونسي. وباتت الحجة المعتمدة: إذا ألغينا القانون التجريم، سوف نشهد في تونس مسيرة الفخر المثلية (gay pride) في غضون عشر سنوات. وعليه يصبح النضال من أجل إصلاح القانون الجزائي مستحيلاً بسبب مقاومة ما أسمّيه الإمبريالية المثلية التي هي وجه آخر للإمبريالية المتحيّزة للغيريّة الجنسية (l’impérialisme hétérosexiste).

ما يجري اليوم على الأرض العربية أو الإفريقية هو تصدير للنزاعات الأيديولوجية الموجودة في أوروبا. فحين صدّر الأوروبيون تفضيل الغيرية، صرنا مثلهم، وحين قرروا مقاومة هذا النظام الذي ابتدعوه بأنفسهم من خلال تصدير نضالات المثليين، صرنا نقلّدهم تحت طائلة إقصائنا من مسيرة البشرية.

من جهتي، أعتقد أنه أصبح إلزامياً الخروج من هذه الثنائية التي فرضها علينا الغرب: الموقف المحافظ مقابل الموقف التقدمي في إطار رؤية خطّية للتاريخ، لأن هذا التقسيم هو بحدّ ذاته تقسيم استعماري.

ثمة إلحاح أيديولوجي اليوم للخروج من هذا المقياس الفكري الذي يمنعنا من الغوص في خصوصياتنا وظروفنا الخاصة، بموازاة الخروج من هذا التقسيم الذي يفرض علينا سياقاً زمنياً وجغرافيا سياسية غريبين عنا. ويتطلب ذلك إدراك أنه إذا كان علينا إنهاء الاستعمار الجنساني واستعادة سيادتنا الجنسية، فسوف يتعيّن علينا أن نُجري إعادة نظر جذرية وعالمية في ما يسميه المفكر البورتوريكي رامون غروسفوغويل "ماتريكس القوة الاستعمارية".

ترجمته عن الفرنسيّة: لميا الساحلي

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard