شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
ما رآه سامي يعقوب: عن زمن الاستبداد الممتدّ إلى ما لا نهاية

ما رآه سامي يعقوب: عن زمن الاستبداد الممتدّ إلى ما لا نهاية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الجمعة 17 مايو 201903:31 م

حياةٌ كاملة يكثّفها الروائي المصري "عزت القمحاوي" في روايته الأخيرة "ما رآه سامي يعقوب"، فيسرد بإيجازٍ محطاتٍ من حياة بطله وحياة والديه، وصولاً إلى ثورة يناير 2011، وما بعدها.

"سامي يعقوب" الشخصية الرئيسيّة في الرواية، هو ابن المهندس "صبري"، الذي نذر حياته لهدفٍ وحيد: إقامة احتفال في ميدان التحرير، بذكرى ميلاد والده "سالم يعقوب" الذي كان وزيراً ناجحاً لعدّة دورات، بعد إثبات براءته من تهم الفساد التي دبّرها له "الضّباط الذين أرادوا أن يجلّلوا كلّ من كان قبلهم، بالعار".

هذا الهدف هو ما جعل الطبيبة الألمانيّة "أليس" تُعجب به، وتقرّر الارتباط به، بعد أن أُعجبت بوفائه ووسامته ورقّته، وهو السبب الذي دفعها بعد سنوات طويلة وإنجاب طفلين إلى هجر البيت، ومصر كلّها، والمغادرة مع ابنها "يوسف" إلى ألمانيا، فيما رفض "سامي" الذهاب مع أمه، مفضّلاً البقاء مع أبيه، وذكريات الجدّ التي ملأت البيت حتى استحوذت عليه ولم تترك المجال لأحد، فالطبيبة الألمانيّة لم تعد تحتمل زيارات الأمن الدائمة واعتقالات زوجها الليليّة المتكرّرة كلّما باح في لقاءٍ صحفي بما لا يليق، أو كلّما كان هناك جلسة حكم في دعواه.

"تسارعت وتيرة الزيارات الليليّة، لأن الأجيال الجديدة من الضبّاط لا تصدّق أن إقامة احتفالٍ بذكرى ميلاد رجلٍ ميتٍ عملٌ يستحقّ أن يكرّس له رجلٌ حيّ حياته، حتى لو كان ذلك الميت أبيه. اعتبروا أن ما يرمي إليه هو تحقيق حشدٍ في ميدان التحرير، لن يكون بوسعهم السيطرة عليه، وليس الاحتفال بذكرى أبيه سوى غطاء لخطة الفوضى التي يسعى إلى تحقيقها (...) تعبت أليس من حياتها غير المستقرّة، فطلبت الرحيل بولديها".

يلعب الكاتب المصري في روايته بالزمن، فالزمن الحاضر الذي تجري فيه الأحداث لا يتجاوز ساعةً واحدة، وهو الزمن الذي يقضيه "سامي" منتظراً في شارع "إمبابة" ريثما تتصل به عشيقته "فريدة" وتبلغه بأن الوقت مناسب لصعوده إلى شقتها، إذ كانا قد اتفقا على أن يحتفلا معاً بعيد ميلاده في شقتها، لكنها تخشى أن يراه أحد وهو يزورها، لذلك فإنها تتحيّن الوقت المناسب، أما الزمن الماضي الذي يتمّ سرده من خلال تقنية "الفلاش باك"، فهو يمتدّ لسنواتٍ كثيرةٍ سابقة، من أيام الجدِّ مروراً بثورة يناير 2011 وحتى الزمن الحالي. تحضر هذه السنوات على شكل ومضاتٍ خاطفة، تحكي كلّ واحدةٍ منها نتفاً صغيرة، لكنها كافية، كي يشكّل القارئ الحكاية. يفصل الكاتب بين الزمنين باستخدام نوعين من الخط، فالخط العادي يسرد الماضي بينما يسرد الخط الغامق ما يجري الآن وهنا، في أثناء انتظار البطل لهاتف محبوبته. يرى "سامي" قِطّين يستعدّان للقاءٍ حميم، فيستغلّ الوقت الضائع لتصوير هذا اللقاء بكاميرا هاتفه المحمول.

"أخذ يلاحق حركة القِطِّين مستثاراً ضاحكاً، لكن القِطَّ لم يتمكّن من تسديد سهمه، فقفز نافذ الصبر، واستلقى تحت عمود الإنارة. أوقف التصوير، ووقف ينتظر الخطوة التالية. تحرّكت القطَّة باتجاه القطِّ، تسترضيه بعضعضة بطنه. "كأنهما يحاكياننا" فكّر مندهشاً، فهكذا يتظاهر بالاستغناء أحياناً، لكي تداعبه فريدة التي لم يشعر بالضيق معها مطلقاً، لكنه ينصرف عنها لكي تُقْبِل عليه وتلمّه، فيتلذّذ بالتأكّد من رغبتها".

تقارب الرواية أحداث ثورة يناير 2011، وما جرى في ميدان التحرير، إذ تفرد الرواية صفحاتٍ لوصف بعض المشاهد المؤثّرة، ولكن في الوقت نفسه فإنها تُظهر جانباً آخر من هذه الثورة، وكيف أنها أحبطت "سامي" وقتلت أخاه "يوسف"، الذي عاد من ألمانيا ليطمئنَّ على شقيقه ويشاركه في نزلاته إلى الميدان.

يتذكّر في تلك اللحظة التي يرى فيها جثّة أخيه، كيف أن والده مات أيضاً وتعرّف على جثّته في ثلّاجةٍ باردة، على إثر إحدى جولات اعتقالاته المتكرّرة، ويتذكّر جدّه وما حلَّ فيه، ويزداد يقينه: "ليس التاريخ سوى عرض، يبدأ لينتهي ثم يبدأ من جديد، لا يتغيّر فيه إلا أسماء الأبطال الذين يقفون على المسرح، ولا يدركون أنهم أنفسهم الشيء الجديد الوحيد في العرض، وأنهم كغيرهم سينتهون ذات يوم، ويصبحون مجرّد غبار ٍكالنسيان".

أسئلةٌ كثيرةٌ تطرحها رواية "ما رآه سامي يعقوب"، دون أن تقولها مباشرة: عن الحبِّ في زمن الاستبداد، عن الثورة التي حرّكت الأمل لدى الناس لكنها غدرت بهم، عن تاريخ يكرّر نفسه مثل عرضٍ لا ينتهي

في كلّ حدثٍ أساسي في الرواية، يظهر رجال أشدّاء يخرّبون العرض، و"سامي" ليس استثناء عن القاعدة، فها هو ذا، وفي غمرة انشغاله بتصوير القِطِّين وغرامياتهما، يجد نفسه محتجزاً من قبل أحد الأجهزة الأمنيّة، التي تصادر هاتفه، وتحقّق معه بتهمة أنه يصوّر البناء الذي يشغلونه.

أسئلةٌ كثيرةٌ تطرحها هذه الرواية بصمت، دون أن تقولها مباشرة: عن الحبِّ في زمن الاستبداد، عن الثورة التي حرّكت الأمل لدى الناس لكنها غدرت بهم، عن تاريخ يكرّر نفسه مثل عرضٍ لا ينتهي.

عزت القمحاوي: روائي مصري، من مواليد 1961. صدر له 14 كتاباً بين الرواية والقصّة والنصوص، ومن أبرز رواياته: "بيت الديب" التي فاز عنها بجائزة نجيب محفوظ عام 2012، ورواية "يكفي أننا معاً" التي وصلت إلى القائمة القصيرة لجائزة الشيخ زايد عام 2017. وله أيضاً: "مدينة اللذّة"، "الحارس"، "البحر خلف الستائر". ترجمت بعض كتبه إلى الإنكليزيّة والإيطاليّة والصينيّة. روايته ما رآه سامي يعقوب، الناشر: الدار المصريّة اللبنانيّة/ القاهرة، عدد الصفحات: 140، الطبعة الأولى: 2019


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard