شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
24 ساعة مع أم عزباء في مصر

24 ساعة مع أم عزباء في مصر

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الثلاثاء 9 أبريل 201906:24 م

"يتهمني والداي بالإهمال في حق ابنتي، رغم أنهما لا ينويان تقاسم مسؤوليتها معي، حتى والدها الذي يرفض الإنفاق عليها يتحدث مع الناس شاكياً انشغالي عنها وإهمالي لها لا يتخيل أحد حجم الجحيم وتعذيب النفس وملامة الآخرين التي أعيشها كأي أم عزباء في مصر".

هذا ما تقوله لرصيف22 رحمة إيهاب (26 عاماً)، وهي أم منفصلة من دون طلاق، لطفلة وحيدة (4 سنوات)، تسعى للحصول على الطلاق قضائياً منذ ثلاث سنوات، فيما تزوج والد طفلتها من أخرى وتركهما دون عائل،

رحمة ليست الأم العزباء الوحيدة بل توجد في مصر أكثر من 12 مليون امرأة معيلة بحسب مرصد الإحصاء المصري، غالبيتهن من الأرامل والمطلقات والأمهات المنفصلات دون طلاق رسمي. وتشير الأرقام إلى أن قرابة 30% من الأسر تنفق عليها نساء وتؤكد الإحصاءات الأخيرة أن 38% من نساء مصر معيلات لأسر، وتصل نسبة المرأة المعيلة تحت خط الفقر إلى 26,3%.

معاناة الحصول على عمل مناسب

غدير أسامة (38 عاماً) أم عزباء لطفلتين وطفل تعيش في القاهرة بينما يقطن أهلها الإسكندرية. واجهت غدير، ولا تزال مصاعب جمة للحصول على عمل ثابت بأجر دائم. تنقلت بين مهن مختلفة، قدمت دروساً خصوصية وعملت بإحدى الحضانات وفي دار لرعاية المسنين ومرافقاً خاصاً للمرضى.

تقول غدير لرصيف22: "بعد سنوات بين المحاكم، حصلت على نفقة 1200 جنيه (70 دولاراً تقريباً) شهرياً لأطفالي الثلاثة. رغم أنها لا تكفي لإطعامهم خبزاً وجبناً، إلا أن الأب لا يدفع لهم بانتظام".

وعادةً ما يتهرب الآباء من التكفل بنفقات أبنائهم بعد الطلاق، كنوع من العقاب للأمهات للضغط عليهن للعودة إلى الطليق. ومن الحيل التي يتبعها الآباء للحصول على أحكام مخفضة للنفقات الزواج بأخرى أو ترك العمل أو الادعاء أن آباءهم أو أمهاتهم بحاجة لإعالتهم.

وكثيراً ما يتهرب الزوج من دفع النفقة بعد إلزامه قضائياً بها لإجبار الأم العزباء على خوض جولة جديدة شاقة داخل أروقة المحاكم. وفي النهاية يُسمح له بدفع النفقة المتأخرة على دفعات وبالتقسيط المريح. كل هذا يجعل الأم العزباء مرغمة على العمل وبأكثر من دوام لتوفير احتياجات أطفالها.

"يتهمني والداي بالتقصير في حق ابنتي، رغم أنهما لا ينويان تقاسم أعباء إعالتها معي، أما والدها الذي يرفض الإنفاق عليها فيحدث الناس شاكياً انشغالي عنها وإهمالي لها. وهذا مغاير للواقع، هذا ما تقوله أم عزباء مصرية لرصيف22.
تشير الأرقام إلى أن قرابة 30% من الأسر في مصر تنفق عليها نساء وتؤكد الإحصاءات الأخيرة أن 38% من نساء مصر معيلات لأسر، وتصل نسبة المرأة المعيلة تحت خط الفقر إلى 26,3%.
في ظل غياب الأب طوعاً أو كراهية، تضطر الأم العزباء في مصر للعمل ليلاً نهاراً لإعالة أطفالها لكنها رغم ذلك تبقى محل نقد من المجتمع الذي يعتبرها “حالة شاذة”. تقريرنا عن الأم العزباء في مصر رصد تجارب بعضهن وهذه شهاداتهن.

روتين يومي شاق

عن تفاصيل يومها، تخبرنا غدير: “أستفيق في الخامسة صباحاً كل يوم. أنظف المنزل وأحضر الطعام وأغسل الملابس قبل إيقاظ أبنائي في السادسة والنصف لأبدأ مرحلة تجهيزهم للمدرسة فألبسهم ثيابهم وأعد فطورهم وأجهز الحقائب المدرسية".

وتتابع: "أخرج لتوصيلهم في السابعة والربع، وبحلول الثامنة أكون جاهزة ليوم عمل أو للبحث عن عمل جديد. وفي الواحدة تقريباً أعود لاصطحاب كل منهم من مدرسته وإعادتهم للمنزل قبل العودة إلى العمل. وحين لا أعمل أعود معهم إلى المنزل وأبحث عبر الإنترنت عن عمل وأنا أراجع معهم واجباتهم المدرسية"، وتضيف "أتمنى أن أكون قادرة على دفع راتب معلمة تقدم لهم دروسا خصوصية للتخلص من معاناة المراجعة هذا يتطلب جهداً خارقاً".

اعتادت غدير أن تصطحب طفلها الأصغر (3 سنوات) إلى العمل، لعدم قدرة شقيقتيه (7 و10 سنوات) على رعايته في غيابها. تذمر صاحب العمل بعد أسبوع وطردها، وهُددت غدير مراراً بالطرد من مسكنها الحالي لعجزها عن دفع الإيجار.

وعن دور أهلها في حياتها، توضح: "كثير من الأهالي لديهم قناعة أن الفتاة طالما تزوجت ليس لها الحق في أي مساعدة..أهلي كذلك. كثيراً ما نصحوني بترك أبنائي لأبيهم..هذا الخيار لن أقدم عليه ولو تسولت".

تبلغ نسبة البطالة بين الإناث في مصر 21.4% مقابل 6.8% بين الذكور في مصر في 2018، بحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في البلاد. رغم أن التقريرالصادر عن البنك الدولي في مارس/آذار 2019، يشير إلى أن تمثيل النساء في قوة العمل في مصر ارتفع إلى 23.1% خلال السنوات العشر الأخيرة، 60% منهن يعملن بالقطاع الحكومي.

عبء نفسي

تؤكد منال عادل (33 عاماً) وهي أم عزباء لولد وبنت، كل منهما في مرحلة دراسية مختلفة، صعوبة مهامها فهي تقوم بأدوار “الأب والأم ومعيل الأسرة".

وتقول، لرصيف22، إنها تستيقظ في السادسة كل صباح لتبدأ بتجهيز حقائب أبنائها ثم توقظهم في السادسة والنصف وتقوم بإطعامهم وإلباسهم. بعد ذلك يركبون حافلة المدرسة. وتضيف: "تكلفة الحافلة المدرسية باهظة، لكني أفضل أن أعتمد عليها وأقتطع من احتياجاتي الشخصية لتوفير بعض الجهد والوقت لمهام أخرى مثل الغسيل والطبخ وغيرها".

بين السابعة والثامنة تجهز منال الغداء لأطفالها، ثم تتوجه إلى عملها (موظفة حكومية) الذي ينتهي في الثالثة عصراً. لكن الأبناء ينهون يومهم الدراسي في الواحدة والنصف ظهراً تقريباً ويتركهم السائق مع بواب العمارة.

"ليس أمامي خيار آخر. ظروف العمل لا ترحم وعندما أستعطف رئيسي المباشر للسماح لي بالخروج في وقتٍ أبكر من أجل أطفالي أو حتى لمنحي استثناء اصطحابهم إلى مكان العمل خلال الساعة ونصف الأخيرة من الدوام، يرد بأن المواطنين الذين يأتون لإنهاء أشغالهم لدينا لن يقدروا ذلك وأن أي مسؤول يمر لملاحظة سير العمل قد يحاسبه هو قبلي"، تقول منال.

تسرد منال ما حدث معها بعد طلاقها فتقول: "بعد الطلاق مباشرةً كنت أعمل ليلا نهارا (عمل حر في المساء) لتلبية احتياجات طفلي لأن الأب يرفض الإنفاق عقاباً لي على إقدامي على طلب الطلاق، كنت أترك طفليّ مع أمي. ولأنها سيدة مسنة لم تكن تتفاعل معهما فأصيبا بحالة نفسية سيئة ونصحني الطبيب أن أتفرغ لهما لا سيما في غياب الأب".

بعد العودة من العمل، تشرع منال في تجهيز الطعام لطفليها الجائعين المرهقين، جراء الانتظار في الشارع بعد يوم دراسي شاق. وتقول "أحتضنهما وأعتذر لهما كثيراً قبل أي شيء أقسم أني أتعذب للاضطرار لعدم التواجد معهما"، مضيفةً "بعد ذلك أطعمهما ونبدأ المراجعة وكتابة الواجبات المدرسية".

في المساء تصطحب طفليها إلى حصص الدروس الخصوصية ويعود الجميع إلى البيت منهكا تماماً، حسبما تؤكد منال، متابعةً "بعد أن يناما أجد نفسي حائرةً بين النوم الذي أحتاجه لمواصلة اليوم الموالي الذي سيحمل نفس المشقة أو استثمار فرصة نومهما لأحظى بدقائق من الاسترخاء والهدوء بعيداً عن طلباتهما التي لا تتوقف، أو إنجاز أمور المنزل المتراكمة كالغسيل والتنظيف وغيرهما".

وتضيف: "أحتاج أن يمتد يومي ليصبح 72 ساعة، ولن يكفِي لإنهاء كل واجباتي أشعر أني أدور في دوامة لا تتوقف، أعاني الأرق من شدة خوفي أني بعد ساعات قليلة سأصحو لروتيني المجهد".

ملامة الجميع

الأم رحمة إيهاب روتين يومها لا يقل إرهاقاً عن سابقتيها، رغم أنها تعيل طفلة واحدة. تعمل رحمة معلمة وراتبها لا يكفي فتضطر لتقديم دروس خصوصية لأكثر من طالب.

تصطحب رحمة طفلتها ذات الأربع سنوات، ويتزامن موعد انتهاء حضانتها مع انتهاء موعد عملها الأساسي إلى منازل الطلاب الذين تدرسهم تباعاً من الثالثة عصراً وحتى العاشرة مساءً. ورغم انهماكها في العمل ليلاً نهاراً، لا تخفي رحمة، لرصيف22، اضطرارها، مراتٍ، لاقتراض بعض المال من والديها أو شقيقاتها وهو أمر "مذل" على حد وصفها.

وتوضح: "لا يتفهم الجميع من أهالي الطلاب الذين أدرسهم اصطحابي طفلتي خصوصاً عندما تكون مريضة وأضطر لحملها طوال الحصة (ساعتين)..عندما أروي لهم ظروفي البعض يتعاطف والبعض الآخر يصمت على مضض".

في العاشرة والنصف مساء تعود رحمة إلى منزلها هي وطفلتها ومعها وجبة سريعة، فطفلتها تكون شبه نائمة وجائعة. وتقول: "لا أجد وقتاً لطهي الطعام..أصيبت طفلتي بسوء التغذية بسبب ذلك، لا زلت أدين بالكثير من المال بعد بقائي فترة في المستشفى".

وتلفت إلى أنها كانت تتمنى لو حظيت وطفلتها "بحياة طبيعية مثل بقية الأسر، لا أجد وقتاً للجلوس مع طفلتي للترويح عنها وعن نفسي، لا نخرج إلا للدراسة والعمل. أتمنى لو أن بإمكاني تأمين مصاريف أسبوع واحد إضافي لأتوقف فيه عن العمل ونستريح”.

أمهات مصر المعيلات

من جهتها، تؤكد نيرمين أبو سالم، مؤسسة مجموعة "أمهات مصر المعيلات" عبر فيسبوك وتضم 54 ألف أم معيلة، لرصيف22، أن "الأم العزباء في مصر تعاني ضغوطاً اقتصادية كبيرة، حيث باتت العائل الوحيد لأبنائها في غياب الأب"، مشيرةً إلى أن "الأم العزباء تقضي معظم يومها بحثاً عن الرزق وبين محاكم الأسرة فى محاولة يائسة للحصول على أدنى قدر من حقوقهم".

وتوضح نيرمين وهي أيضاً أم عزباء: "يشكل هذا عبئاً نفسياً لا يحتمل على الأم التي تكرس حياتها لأطفالها الذين يصبح قضاء وقت كافٍ معهم أشبه بالمستحيل، بما يسبب مشاكل أسرية وتربوية ونفسية عديدة للأم ولأبنائها".

وتوضح "تخلع الأم المعيلة ثوب أنوثتها وتتخلى طواعيةً عن جميع حقوقها الإنسانية. ورغم ذلك تتهم دائماً بالتقصير ما يعمق معاناتها".

اختيرت نيرمين من قبل إدارة فيسبوك كواحدة ضمن 115 شخص من جملة 6000 مرشح من 46 دولة، كأحد مؤسسي المجموعات التي تؤثر إيجاباً في مجتمعاتها.

وبعد انضمامها لبرنامج قيادة المجتمع الذي ينظمه فيسبوك، فازت نيرمين بفرصة لتعليم 30 من الأمهات العازبات في مجموعتها، في أربعة مجالات هي إعداد الحلوى والخياطة (الحياكة) وتصميم الإكسسوارات (الحلي) واحتراف المكياج. توفر لهن المنحة فرصة التدريب وتوفير الأدوات الأولية المستخدمة لبدء مشروع خاص.

توفر نيرمين لعضوات مجموعتها استشارات نفسية وتربوية وقانونية من قبل متخصصين لإدراكها صعوبة مواجهتهن ظروف الحياة كأمهات عازبات في مصر. وتقول لرصيف22: "أنا واحدة منهن وعانيت ما تعانيه الكثيرات. التأهيل والحصول على فرصة عمل كريمة توفر متطلبات الأبناء وتراعي ظروفهن وتسمح لهن برعاية أطفالهن هو كل ما يلزمهن ليصبحن نساء قويات ويتجاوزن محنهن".

وتشدد على أن "بعضهن قدمن من الصعيد على بعد مئات الكيلومترات من القاهرة وتحملن المشقة، للحصول على المنحة، لأنهن لا يرغبن، ببساطة، في مد أيديهن لأي شخص ولا حتى أهلهن".

تطالب نيرمين بتوفير فرص عمل مناسبة للأمهات العازبات، مناشدةً كل أب ألا يتخلى عن مسؤولياته تجاه أطفاله بعد الانفصال عن أمهم.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard